أولها - أن التخميس يضيف إلى البيت السالف مقدار مثله ونصفه، بحيث يخرج من ستة وخمسين بيتًا هي قصيدة البارودي، مقدار مائة وأربعين بيتا، وهو شيء ضخم، فاقتطع أبو سرور عشرين بيتًا فقط (من 34 إلى 53)، فأخرج مقدار خمسين بيتًا، وهو شيء وسط، كما أخرج بتخميس أربعة عشر بيتًا هي قصيدة أبي وسيم، مقدار خمسة وثلاثين بيتًا، وهو شيء دون الوسط.
ثانيها - مناسبة أجزاء رسالة قصيدة أبي وسيم كلها لمراد أبي سرور، بدليل أنه لم يخرج عنها بزيادة أو نقص، وعدم مناسبة أجزاء رسالة قصيدة البارودي كلها، بدليل أنه خرج عليها بطرح جزء الغزل.
آخرها - عناية أبي سرور ببلديّه فخر سمائل وقصيدته المشهورة " العصماء " - كما قال في العنوان - على حين كان تخميسه للأخرى إجلالاً لشاعر "بطل"، كما قال في العنوان كذلك.
{23} لا أستطيع أن أغفل دلالة ترتيب بحور القصائد، الذي كان هكذا: الطويل (40%)، ثم البسيط (30%)، ثم الكامل (20%)، ثم الوافر (10%). ولا دلالة ترتيب قوافيها، الذي كان هكذا: المطلقة النونية (40%)، ثم المطلقة الميميّة (20%)، والمطلقة الرائية (20%)، ثم المطلقة الكافية (10%)، والمطلقة الدالية (10%)؛ فلا ريب في أن أبا سرور تاريخي الهوى؛ فتلك الأبحر بترتيبها نفسه، وهذه القوافي بترتيب حروف رويها نفسه – صفة عروضية كان شعر العرب القديم – ومنه الشعر العماني – يتصف بها (66).
زلّة عروضية
{24} سبق في الفقرة الحادية عشرة شرح طريقة تخميس قصائد السالفين. وقد بان منها أن الشاعر الخالف يُقَفِّي الثلاثة الأشطر الأولى التي يضيفها قبل بيت الشاعر السالف، بمثل قافية الشطر الرابع الذي هو صدر بيت الشاعر السالف؛ فيراعيه وكأنه بيت وحده، بعد أن مكث مكانًا ذائبًا في البيت. ومن ثم يقيس الشاعر ما يأتي به من قوافي الثلاثة الأشطر، إلى هذا الرابع وكأنه مطلع القصيدة، فتجري قوانين علم القافية له أو عليه.
لقد كشف النظر في تقفية أبي سرور لما أضافه في كل بيت إلى شطري السالف، أنه تجوز في تاء التأنيث متحركة (آخر الاسم المفرد) وساكنة (آخر الفعل الماضي)؛ فاتخذها رويًّا على رغم تحرك ما قبلها، وهو في علم القافية ضعيف، ولاسيما أن تسكن (67)؛ إذ هي ضعيفة الإسماع متحركةً عديمته ساكنةً (68):
قال أبو سرور في تخميس البارودية:
" أنامت رجال الله عن بطن مكةِ
وقد بُيّتَتْ أخلاقهم للرزيةِ
وعاثت بوادٍ من بوادي المذلّةِ
فحتام نسري في دياجير محنةِ يضيق بها عن صحبة السيف غمدُهُ
تيقظ فعين السوء في الريف سُرِّحَتْ
إلى حُرم تحت المكارم خُدِّرَتْ
فما المرء أو يلقى المنايا وقد ضَرَتْ
إذا المرء لم يدفع يد الجور إن سطَتْ عليه فلا يأسف إذا ضاع مجدُهُ " (69).
أما البيت الأول فقد كان حق "مِحْنةٍ" في رابعه، أن يلتزم في الثلاثة قبله، النون قبل تاء التأنيث، فأبدلها كافاً في الأول وياءً في الثاني ولاماً في الثالث. وأما البيت الثاني فقد كان حق "إنْ سطتْ" في رابعه، أن يلتزم في الثلاثة قبله، الطاء قبل تاء التأنيث، فأبدلها حاء في الأول وراء في الثاني والثالث.
إنه إهمال لهذا الموضع الذي كان السالف يهمله إلا في مطلع قصيدته، وكان حقه على أبي سرور ألا يهمله، لأنه في نمط مختلف عن السالف، تقفية الأشطر على النحو السابق في الفقرة الحادية عشرة، شرط من شروطه.
رسالة القصيدة
{25} ينبغي لدارس المعارضات والتخميسات أن يتفقد من الرسالة: كيف كانت في القصيدة السالفة، ثم كيف صارت في القصيدة الخالفة، ما يتبين به حقيقة عمل الخالف الفكري بين التقيد والتحرر، فيضعه موضعه ويقدره قدره. ولا اعتراض هنا باستحالة تحررخالفة التخميس من ربقة رسالة سالفتها؛ فربما وجّهتها غير وجهتها كما سبق في الفقرة الثالثة عشرة.
ولقد اطلعت بالجدولين الأول والثاني من أبي سرور في هذا الشأن، على خمس أحوال:
الأولى - التقيد بأجزاء الرسالة في نفسها وفى ترتيبها جميعًا معًا، وهو ما كان في المعارضة الثامنة والتخميس الأول بنسبة (20%)، على أن ننتبه إلى أننا نقارن هذا التخميس بالأبيات العشرين السابق تحديدها من السالفة.
الثانية - التقيد بأجزاء الرسالة في نفسها دون ترتيبها، وهو ما كان في التخميس الثاني بنسبة (10%).
¥