تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{30} ومن قديم نشط الشعراء العرب لتجديد شعرهم بتجديد عروضه منطلقين من العمودي ومعتمدين عليه واعين لشرط إدراك متلقي شعرهم، ما فيه من عروض، وإلا استحال نثرا، فاستحدثوا (المُشَطَّر) الذي طوّل البيت وقسمه ونسّق أقسامه وقفاها بقواف غير قافيته التي تظل في آخره مثلها في آخر غيره من أبيات القصيدة، ثم استحدثوا (الموشَّح) الذي زاد تطويل البيت وقسمه قسمين لا يكادان يتساويان، وقسم كلا منهما ونسق أقسامه وقفاها على نحو أكثر تركيبا، وأبقى قوافي القسم الثاني من أبيات القصيدة كلها، متشابهة، وقد كان (المشطر) طريقا صغيرا إلى الطريق الكبير (الموشح)، ثم استحدثوا (الحرّ) الذي لم يلتزم للبيت طولا ولا قافية، ولم يقسمه، وقد كان (المشطر) و (الموشح) الطريق إلى الساحة الفسيحة (الحر) (75).

{31} لقد وجدت شعراء البحث يخوضون يم التجديد ولا يخافون، إلا الحبسي الذي عهدته أرهف سمعا وأجرأ تجريبا، فلم يخض مع الخائضين، إلا ما كان من استعماله لتعديد القافية. والحق أنه كان استفرغ طاقته بشعر اللهجة، الذي سماه تلميذه جامع ديوانه (الطرائق)، وكأنها طرق التجديد عنده، فاستعمل فيه (المشطر)، فأما شعر اللغة، فأبقاه عموديا محضا.

أما الستالي فاستعمل (المشطر)، وأما البهلاني فاستعمل معه (الموشح)، وأما الصقلاوي فاستعمل (الحر). ولئن كان (الموشح) قريبا من (المشطر) بحيث كان الشاعر يستعملهما جميعا معا، إن (الحر) لبعيد منهما بحيث صار الشاعر يكتفي به للتجديد، فأما العموي فالطراز الراسخ الذي يطوِّف الشاعر في كل زمان ما يطوف، ثم يأوي إليه.

حادي عشر: كلمة القافية المقيدة على العموم

{32} ربما بدا لكثير من الناظرين في القافية، أن يكون تقييدها سدا لباب شر عظيم يفتحه على الشاعر إطلاقها، فجرى لديهم هنا أيضا المثل المولد "سكّنْ تسْلمْ"، وكأن الشاعر المطلق القافية وحده يعاني اصطياد الكلمة الملائمة، لأنه وحده يراعي أن تكون مفتوحة كالمفتوحة آخر البيت السابق، أو مضمومة كالمضمومة، أو مكسورة كالمكسورة، فأما الشاعر المقيّدها ففي راحة ودعة وسعة، يجمع المفتوحة إلى المضمومة إلى المكسورة، والمنونة إلى الغير المنونة، والمعربة إلى المبنية، ما دام آخر كل منها الحرف المختار رويا. وهو ما سبقت الإشارة إليه في الفقرة الحادية عشرة.

{33} لقد بيّن الجدول الرابع إلحاح شعراء عُمان على أبواب نحوية بعينها، فإذا ما تفقدت قصيدة من شعرهم، كميمية الستالي التي يقول في أولها:

"يا دمن الحي عليك السلام وجاد أطلالك صوب الغمام

ما فعل الحي عهدناهم جيرتنا بين ربوع المقام

عجنا على الأطلال أنضاءنا حيث توهمنا رسوم الخيام

عجنا نحييها ونقضي بها حفيظة العهد وحق الذمام

فاستعجم الربع ولما يجب وكيف للعافي برجع الكلام

وزودتنا بين آياتها وساوس الشوق وبرح الغرام

وطال ما هاجت رسوم الحمى صبابة للعاشق المستهام

وربما هيج أشواقه تألق البرق ونوح الحمام " (76)

وجدت هذه الأبيات مثلا تتتابع دون أن تدخل إليها كلمات قوافيها إلا من باب نحوي واحد "اسم مجرور بالمضاف"، وحين تغير الباب تدخل من باب "اسم تابع اسم" نعت مجرور، حتى إنه لو أطلق القافية لسلمت له كلماتها مجرورة، وإن خرجت له صورة بيت شاذة. وهو أمر معروف من قديم (77)، ربما رجع إلى تمكن نمط من تركيب الكلام من عقل الشاعر، فهو يذهب إليه ويلح عليه. وكذلك وضح لي بطول النظر في أغاني الأصفهاني، أن عيوب كلمة القافية، النحوية العلاميّة- ولا سيما الإقواء- غير نادرة في الشعر العربي الذي استوعبه الكتاب وهو مقدار ضخم، وكأن الشاعر كان يعالجها بإخضاعها ضرورة لحركة القافية، ولكن سيطرة النظر العلمي، باعدت بينها وبين الشعراء ومتلقي شعرهم جميعا فندرت.

ليس الإشكال في كلمة القافية الموحدة إذن من جهة حركة آخرها فقط، ليكون في التقييد درؤه، كما أنه ليس النحو علامات الإعراب والبناء فقط، ليكون في التسكين فناؤه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير