وتحت هذا العنوان أقول: رحم الله ابن مسعود ورضي عنه عندما قال: (إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك وفي لفظ آخر: إن جمهور الناس فارقوا الجماعة وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى)
وقال نعيم بن حماد: (إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وان كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ). ذكر هذين الأثرين البيهقى وغيره.
وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين:
واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق , وإن كان وحده وإن خالفه أهل الأرض.
وقال بعض أئمة الحديث وقد ذكر له السواد الأعظم فقال: أتدري ما السواد الأعظم هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه. فمسخ المختلفون الذين جعلوا السواد الأعظم؟ والحجة والجماعة هم الجمهور، وجعلوهم عيارا على السنة، وجعلوا السنة بدعة والمعروف منكرا، لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار، وقالوا من شذ شذ الله به في النار، وما عرف المختلفون أن الشاذ ما خالف الحق وإن كان الناس كلهم عليه إلا واحدا منهم فهم الشاذون، وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفرا يسيرا فكانوا هم الجماعة وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولما لم يتحمل هذا عقول الناس قالوا للخليفة يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل وأحمد وحده هو على الحق فلم يتسع علمه لذلك فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل فلا إله إلا الله، ما أشبه الليلة بالبارحة وهي السبيل المهيع لأهل السنة والجماعة حتى يلقوا ربهم مضى عليها سلفهم وينتظرها خلفهم من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي. إعلام الموقعين لابن القيم، ومن أراد المزيد فليرجع إليه ج3ص398.
مسألة: من المخاطب بتدبر الدليل من الكتاب والسنة وتفهمه والعمل به
ومما ينبغي أن يعلم أن لقائلٍ أن يقول من أنت أيها الباحث لكي تكتب في هذه المسألة وتجتهد في استقراء النصوص الشرعية، وتحقق المناط منها وتنزله على هذه المسألة وغير ذلك من الاعتراضات العوراء، والانتقادات العمياء، فأقول وبالله التوفيق، وإن كان حقاً من أنا لكي أكتب في هذه المسألة، إلا أن ابن القيم رحمه الله تعالى قال في (إعلام الموقعين):
الفائدة الثانية والعشرين إذا عرف العامي حكم حادثة بدليلها فهل له أن يفتي به ويسوغ لغيره تقليده فيه، ففيه ثلاثة أوجه للشافعية وغيرهم.
أحدها: الجواز لأنه قد حصل له العلم بحكم تلك الحادثة عن دليلها كما حصل للعالم، وإن تميز العالم عنه بقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له، فهذا قدر زائد على معرفة الحق بدليله.
ثانيها: لا يجوزله ذلك مطلقا لعدم أهليته للاستدلال، وعدم علمه بشرطه وما يعارضه، ولعله يظن دليلا ما ليس بدليل.
ثالثها: إن كان الدليل كتابا أوسنة جاز له الإفتاء، وإن كان غيرهما لم يجز، لأن القرآن والسنة خطاب لجميع المكلفين، فيجب على المكلف أن يعمل بما وصل إليه من كتاب ربه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويجوز له أن يرشد غيره إليه ويدله عليه أ. هـ من باب: [الخصال التي يجب أن يتصف بها المفتي]. إعلام الموقعين ج4ص199
فإذا كان هذا في حق العامي فهو من باب أولى فيمن كان أعلم من العامي ولو بدرجة، وأرى من المناسب هنا أن أنقل كلاماً نفيساً للشيخ الشنقيطي رحمه الله ذكره في أضواء البيان عند قوله تعالى {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} قال رحمه الله تعالى: فإعراض كثير من الأقطار عن النظر في كتاب الله وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المبينة له؛ من أعظم المناكر وأشنعها، وإن ظن فاعلوه أنهم على هدى.
¥