, لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه. انظر الموسوعة الفقهية مادة تفريط.
وقيل مثل ذلك في الغريق و ترك إنقاذه، حيث اتفق الفقهاء على أن المسلم يأثم بتركه إنقاذ الغريق معصوم الدم , لكنهم اختلفوا في حكم تركه إنقاذه هل يجب عليه القصاص أو الدية أو لاشيء عليه؟ فعند الحنفية والشافعية والحنابلة - عدا أبي الخطاب - على ما يفهم من كلامهم أنه لا ضمان على الممتنع من إنقاذ الغريق إذا مات غرقا ; لأنه لم يهلكه , ولم يحدث فيه فعلا مهلكا , لكنه يأثم. وعند المالكية وأبي الخطاب من الحنابلة يضمن ; لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه , قال المالكية: وتكون الدية في ماله إن ترك التخليص عمدا , وعلى عاقلته إن تركه متأولا. الموسوعة مادة، غرق
وقد شدد ابن حزم رحمه الله في ذلك وجعل هذا نوعاً من القتل وعلى القادر على الإنقاذ من الهلكة إن لم يفعل القتل، أياً كان نوع هذه الهلكة، فقال: مسألة: من استسقى قوما فلم يسقوه حتى مات؟ قال علي: روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن الأشعث عن الحسن أن رجلا استسقى على باب قوم؟ فأبوا أن يسقوه , فأدركه العطش فمات , فضمنهم عمر بن الخطاب t عن ديته؟ قال أبو محمد: القول في هذا عندنا - وبالله تعالى التوفيق - هو أن الذين لم يسقوه إن كانوا يعلمون أنه لا ماء له ألبتة إلا عندهم , ولا يمكنه إدراكه أصلا حتى يموت , فهم قتلوه عمدا وعليهم القود بأن يمنعوا الماء حتى يموتوا - كثروا أو قلوا - ولا يدخل في ذلك من لم يعلم بأمره ولا من لم يمكنه أن يسقيه , فإن كانوا لا يعلمون ذلك ويقدرون أنه سيدرك الماء , فهم قتلة خطأ , وعليهم الكفارة , وعلى عواقلهم الدية ولا بد. برهان ذلك: قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} , وقال تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} , وقال تعالى {والحرمات قصاص} , وبيقين يدري كل مسلم - في العالم - أن من استقاه مسلم - وهو قادر على أن يسقيه - فتعمد أن لا يسقيه إلى أن مات عطشا فإنه قد اعتدى عليه , بلا خلاف من أحد من الأمة , وإذا اعتدى فواجب - بنص القرآن - أن يعتدى على المعتدي بمثل ما اعتدى به - فصح قولنا بيقين لا إشكال فيه. وأما إذا لم يعلم بذلك فقد قتله , إذ منعه ما لا حياة له إلا به , فهو قاتل خطأ , فعليه ما على قاتل الخطأ. قال أبو محمد: وهكذا القول , في الجائع , والعاري , ولا فرق - وكل ذلك عدوان , وليس هذا كمن اتبعه سبع فلم يؤوه حتى أكله السبع , لأن السبع هو القاتل له , ولم يمت في جنايتهم , ولا مما تولد من جنايتهم , ولكن لو تركوه فأخذه السبع - وهم قادرون على إنقاذه - فهم قتلة عمد , إذ لم يمت من شيء إلا من فعلهم - وهذا كمن أدخلوه في بيت ومنعوه حتى مات ولا فرق وهذا كله وجه واحد - وبالله تعالى التوفيق. ويمكن أن يستأنس لهذا القول بالحديث الذي ذكره الموصلي في الاختيار ولم يعزه لأحد 4/ 175 (أيما رجل مات ضياعاً بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله) هذا بالخصوص وأما بالعموم فما ذكره ابن حزم من القرآن فيه الكفاية.
وأقول: بلا خلاف إن المأسور قادر على إنقاذ المسلمين من القتل بصيانة سرهم وعدم إظهاره، حتى لو أدى ذلك إلى قتله ففي التاج المهذب لأحكام المذهب للصنعاني ما نصه: (فصل) في الفرق بين ضماني المباشرة والتسبيب في جناية الخطأ (و) اعلم أن جناية (المباشر مضمون) على فاعله (وإن لم يتعد فيه) يعني في فعله (فيضمن) المباشر (غريقا أمسكه) يريد إنقاذه فَثَقُلَ عليه وخشي إن تم الإمساك أن يتلفا معا (فأرسله) من يده (لخشية تلفهما) معا وإن كان في الأصل محسنا بإرادة إنقاذه ولما خشي على نفسه أرسله في الماء حتى مات فإنه مباشر في هذه الجناية ولا يجوزله أن يستفدي نفسه بقتل غيره ولهذا وجب الضمان للغريق وذلك بالقود للمرسل له وسواء أرسله بعد أن خرج رأسه من الماء أم قبل ذلك وإن عفا عنه سلم الدية من ماله أو هو مباشر , فإن كان الغريق هو الممسك واستفدى نفسه بالإرسال فلا ضمان فإن هلك الممسك بفتح السين بإمساك الغريق ضمنه من ماله فإن هلك الممسك ونجا الغريق قتل به.
¥