16 - يتّفق الفقهاء على أنّه يحقّ للإمام إعطاء الأمان للأسير بعد الاستيلاء عليه، لأنّ عمر لمّا قدم عليه بالهرمزان أسيراً قال:" لا بأس عليك، ثمّ أراد قتله، فقال له أنسٌ: قد أمّنته فلا سبيل لك عليه، وشهد الزّبير بذلك "فعدّوه أماناً، ولأنّ للإمام أن يمنّ عليه، والأمان دون المنّ، ولا ينبغي للإمام أن يتصرّف على حكم التّمنّي والتّشهّي دون مصلحة المسلمين، فما عقده أمير الجيش من الأمان جاز ولزم الوفاء به، وأمّا آحاد الرّعيّة فليس لهم ذلك، لأنّ أمر الأسير مفوّضٌ إلى الإمام، فلم يجز الافتيات عليه فيما يمنع ذلك كقتله. وذكر أبو الخطّاب أنّه يصحّ أمان آحاد الرّعيّة، لأنّ «زينب بنت الرّسول صلى الله عليه وسلم أجارت زوجها أبا العاص بن الرّبيع بعد أسره، فأجاز النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمانها». وتفصيل ذلك في مصطلح (أمانٌ).
حكم الإمام في الأسرى:
17 - يرجع الأمر في أسرى الحربيّين إلى الإمام، أو من ينيبه عنه.
وجعل جمهور الفقهاء مصائر الأسرى بعد ذلك، وقبل إجراء قسمة الغنائم بين الغانمين، في أحد أمورٍ: فقد نصّ الشّافعيّة والحنابلة على تخيير الإمام في الرّجال البالغين من أسرى الكفّار، بين قتلهم، أو استرقاقهم، أو المنّ عليهم، أو مفاداتهم بمالٍ أو نفسٍ.
أمّا الحنفيّة فقد قصروا التّخيير على ثلاثة أمورٍ فقط: القتل، والاسترقاق، والمنّ عليهم بجعلهم أهل ذمّةٍ على الجزية، ولم يجيزوا المنّ عليهم دون قيدٍ، ولا الفداء بالمال إلاّ عند محمّد بن الحسن بالنّسبة للشّيخ الكبير، أو إذا كان المسلمون بحاجةٍ للمال. وأمّا مفاداتهم بأسرى المسلمين فموضع خلافٍ عندهم.
وذهب مالكٌ إلى أنّ الإمام يخيّر في الأسرى بين خمسة أشياء: فإمّا أن يقتل، وإمّا أن يسترقّ، وإمّا أن يعتق، وإمّا أن يأخذ فيه الفداء، وإمّا أن يعقد عليه الذّمّة ويضرب عليه الجزية، والإمام مقيّدٌ في اختياره بما يحقّق مصلحة الجماعة.
18 - ويتّفق الفقهاء على أنّ الأصل في السّبايا من النّساء والصّبيّة أنّهم لا يقتلون. ففي الشّرح الكبير للدّردير: وأمّا النّساء والذّراريّ فليس فيهم إلاّ الاسترقاق أو الفداء. وتفصيله في (سبيٌ). كما يتّفقون على أنّ الأسير الحربيّ الّذي أعلن إسلامه قبل القسمة، لا يحقّ للإمام قتله، لأنّ الإسلام عاصمٌ لدمه على ما سيأتي.
19 - ويقول الشّافعيّة: إن خفي على الإمام أو أمير الجيش الأحظّ حبسهم حتّى يظهر له، لأنّه راجعٌ إلى الاجتهاد، ويصرّح ابن رشدٍ بأنّ هذا ما لا خلاف فيه بين المسلمين، إذا لم يكن يوجد تأمينٌ لهم.
20 - وقال قومٌ: لا يجوز قتل الأسير، وحكى الحسن بن محمّدٍ التّميميّ أنّه إجماع الصّحابة. والسّبب في الاختلاف تعارض الآية في هذا المعنى، وتعارض الأفعال، ومعارضة ظاهر الكتاب لفعله عليه الصلاة والسلام، لأنّ ظاهر قول اللّه تعالى: {فإذا لقيتم الّذين كفروا فضرب الرّقاب} أنّه ليس للإمام بعد الأسر إلاّ المنّ أو الفداء. وقوله تعالى {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} والسّبب الّذي نزلت فيه يدلّ على أنّ القتل أفضل من الاستبقاء.
وأمّا فعل الرّسول صلى الله عليه وسلم: «فقد قتل الأسارى في غير موطنٍ»، فمن رأى أنّ الآية الخاصّة بالأسارى ناسخةٌ لفعله قال: لا يقتل الأسير، ومن رأى أنّ الآية ليس فيها ذكرٌ لقتل الأسير ولا المقصود منها حصر ما يفعل بالأسارى قال بجواز قتل الأسير.
21 - ويتّفق الفقهاء على أنّ الأسرى من نساء الحربيّين وذراريّهم، ومن في حكمهم كالخنثى والمجنون، وكذا العبيد المملوكون لهم يسترقّون بنفس الأسر، ويتّفقون على أنّ من أسلم من الحربيّين قبل الاستيلاء والأسر لا يسترقّ، وكذا بالنّسبة للمرتدّين، فإنّ الحكم بالنّسبة لهم الاستتابة والعودة إلى الإسلام، وإلاّ فالسّيف.
22 - أمّا الرّجال الأحرار المقاتلون منهم. فقد اتّفقوا أيضاً على جواز استرقاق الأعاجم، وثنيّين كانوا أو أهل كتابٍ. واتّجه الجمهور إلى جواز استرقاق العرب على تفصيلٍ بينهم. والحنفيّة لا يجيزون استرقاق مشركي العرب.
الفداء بالمال:
¥