تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

23 - المشهور في مذهب المالكيّة، وهو قول محمّد بن الحسن من فقهاء الحنفيّة، ومذهب الشّافعيّة، والحنابلة في غير روايةٍ عن الإمام أحمد: جواز فداء أسرى الحربيّين الّذين يثبت الخيار للإمام فيهم بالمال. غير أنّ المالكيّة يجيزونه بمالٍ أكثر من قيمة الأسير، وعن محمّد بن الحسن - كما نقل السّرخسيّ عن السّير الكبير - تقييد ذلك بحاجة المسلمين للمال، وقيد الكاسانيّ هذا بما إذا كان الأسير شيخاً كبيراً لا يرجى له ولدٌ. وأجازه الشّافعيّة بالمال دون قيدٍ، ولو لم تكن ثمّة حاجةٌ للمال، ونصّوا على أنّه للإمام أن يفدي الأسرى بالمال يأخذه منهم، سواءٌ، أكان من مالهم أم من مالنا الّذي في أيديهم، وأن نفديهم بأسلحتنا الّتي في أيديهم. أمّا أسلحتهم الّتي بأيدينا ففي جواز مفاداة أسرانا بها وجهان، أوجههما عندهم الجواز. واستدلّ المجيزون بظاهر قوله تعالى {فإمّا منّاً بعد وإمّا فداءً}، و «بفعل الرّسول صلى الله عليه وسلم، فقد فادى أسارى بدرٍ بالمال وكانوا سبعين رجلاً، كلّ رجلٍ منهم بأربعمائة درهمٍ»، وأدنى درجات فعله الجواز والإباحة.

24 - ويرى الحنفيّة، في غير ما روي عن محمّدٍ، وهو روايةٌ عن أحمد وقول أبي عبيد القاسم بن سلاّمٍ عدم جواز الفداء بمالٍ. ويدلّ على عدم الجواز أنّ قتل الأسارى مأمورٌ به، لقوله تعالى {فاضربوا فوق الأعناق} وأنّه منصرفٌ إلى ما بعد الأخذ والاسترقاق، وقوله تعالى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} والأمر بالقتل للتّوسّل إلى الإسلام، فلا يجوز تركه إلاّ لما شرع له القتل، وهو أن يكون وسيلةً إلى الإسلام، ولا يحصل معنى التّوسّل بالمفاداة بالمال، كما أنّ في ذلك إعانةً لأهل الحرب، لأنّهم يرجعون إلى المنعة، فيصيرون حرباً علينا، وقتل المشرك عند التّمكّن منه فرضٌ محكمٌ، وفي المفاداة ترك إقامة هذا الفرض، وقد روي عن أبي بكرٍ أنّه قال في الأسير:" لا تفادوه وإن أعطيتم به مدّين من ذهبٍ " ولأنّه صار بالأسر من أهل دارنا، فلا يجوز إعادته لدار الحرب، ليكون حرباً علينا، وفي هذا معصيةٌ، وارتكاب المعصية لمنفعة المال لا يجوز، ولو أعطونا مالاً لترك الصّلاة لا يجوز لنا أن نفعل ذلك مع الحاجة، فكذا لا يجوز ترك قتل المشرك بالمفاداة.

وعلى القول بأنّ للإمام حقّ المفاداة بالمال، فإنّ هذا المال يكون للغانمين، وليس من حقّه أن يسقط شيئاً من المال الّذي يفرضه عليهم مقابل الفداء إلاّ برضى الغانمين.

فداء أسرى المسلمين بأسرى الأعداء:

25 - ذهب الجمهور من المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، وصاحبا أبي حنيفة، وهو إحدى الرّوايتين عن أبي حنيفة إلى جواز تبادل الأسرى، مستدلّين بقول النّبيّ «أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكّوا العاني» وقوله «إنّ على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسيرهم، ويؤدّوا عن غارمهم» و «فادى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلين من المسلمين بالرّجل الّذي أخذه من بني عقيلٍ». «وفادى بالمرأة الّتي استوهبها من سلمة بن الأكوع ناساً من المسلمين كانوا قد أسروا بمكّة» ولأنّ في المفاداة تخليص المسلم من عذاب الكفّار والفتنة في الدّين، وإنقاذ المسلم أولى من إهلاك الكافر.

ولم يفرّقوا بين ما إذا كانت المفاداة قبل القسمة أو بعدها. أمّا أبو يوسف فقد قصر جواز المفاداة على ما قبل القسمة، لأنّه قبل القسمة لم يتقرّر كون أسيرهم من أهل دارنا حتّى جاز للإمام أن يقتله، وأمّا بعد القسمة فقد تقرّر كونه من أهل دارنا حتّى ليس للإمام أن يقتله. أي فلا يعاد بالمفاداة إلى دار الكفر. ولأنّ في المفاداة بعدها إبطال ملك المقسوم له من غير رضاه. ونصّ المالكيّة على مثل قول أبي يوسف أيضاً، ومحمّد بن الحسن أجازه في الحالتين لأنّ المعنى الّذي لأجله جوّز ذلك قبل القسمة الحاجة إلى تخليص المسلم من عذابهم، وهذا موجودٌ بعد القسمة، وحقّ الغانمين في الاسترقاق ثابتٌ قبل القسمة، وقد صار الأسير بذلك من أهل دارنا، ثمّ تجوز المفاداة به لهذه الحاجة، فكذلك بعد القسمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير