تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

32 - الحكم في مال الأسير مبنيٌّ على الحكم في نفسه، فلا عصمة له على ماله وما معه، فهو فيءٌ لكلّ المسلمين ما دام أسر بقوّة الجيش، أو كان الأسر مستنداً لقوّة الجيش، ولو أسلم بعد أسره واسترقّ تبعه ماله، أمّا لو كان إسلامه في دار الحرب قبل أخذه، ولم يخرج إلينا حتّى ظهرنا على الدّار، عصم نفسه وصغاره وكلّ ما في يده من مالٍ، لحديث «من أسلم على مالٍ فهو له» وذلك باتّفاق المذاهب بالنّسبة للمنقول، وكذا العقار عند المالكيّة، وهو مذهب الشّافعيّة، والحنابلة. وقال أبو حنيفة: وخرج عقاره لأنّه في يد أهل الدّار وسلطانها فيكون غنيمةً. وقيل: إنّ محمّداً جعله كسائر ماله. وإذا قال الأمير: من خرج من أهل العسكر فأصاب شيئاً فله من ذلك الرّبع، وسمع هذه المقالة أسيرٌ من أهل الحرب، فخرج فأصاب شيئاً فذلك كلّه للمسلمين، لأنّ الأسير فيءٌ لهم وكسب العبد لمولاه.

33 - وإذا وقع السّبي في سهم رجلٍ من المسلمين، فأخرج مالاً كان معه لم يعلم به، فينبغي للّذي وقع في سهمه أن يردّه في الغنيمة، لأنّ الأمير إنّما ملّكه بالقسمة رقبة الأسير لا ما معه من المال، فإنّ ذلك لم يكن معلوماً له، وهو مأمورٌ بالعدل في القسمة، وإنّما يتحقّق العدل إذا كانت القسمة لا تتناول إلاّ ما كان معلوماً. ويروى أنّ رجلاً اشترى جاريةً من المغنم، فلمّا رأت أنّها قد خلصت له أخرجت حليّاً كان معها، فقال الرّجل: ما أدري هذا؟ وأتى سعد بن أبي وقّاصٍ فأخبره فقال: اجعله في غنائم المسلمين. لأنّ المال الّذي مع الأسير كان غنيمةً، وفعل الأمير تناول الرّقبة دون المال، فبقي المال غنيمةً.

وهذا الحكم يصدق أيضاً على الدّيون والودائع الّتي له لدى مسلمٍ أو ذمّيٍّ. فإن كانت لدى حربيٍّ فهي فيءٌ للغانمين.

34 - وإذا كان على الأسير دينٌ لمسلمٍ أو ذمّيٍّ قضي من ماله الّذي لم يغنم قبل استرقاقه، فإنّ حقّ الدّين مقدّمٌ على حقّ الغنيمة، إلاّ إذا سبق الاغتنام رقّه.

ولو وقعا معاً فالظّاهر - على ما قال الغزاليّ من الشّافعيّة - تقديم الغنيمة، فإن لم يكن مالٌ فهو في ذمّته إلى أن يعتق.

بم يعرف إسلامه:

35 - روي أنّه لمّا أسر المسلمون بعض المشركين وتكلّم بعضهم بالإسلام دون اعترافٍ جازمٍ، بيّن اللّه أمرهم بقوله: {يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم اللّه في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً ممّا أخذ منكم ويغفر لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ. وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللّه من قبل فأمكن منهم}. وإذا كان القرآن كشف نيّات بعض الأسرى لرسوله، فإنّ المحاربين من المسلمين لم يؤمروا بالبحث عن هذه النّيّات، ولقد حدّث المقداد بن الأسود أنّه قال: «يا رسول اللّه، أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفّار فقاتلني، فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها، ثمّ لاذ منّي بشجرةٍ فقال: أسلمت للّه، أفأقتله يا رسول اللّه بعد أن قالها؟ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: لا تقتله. قال فقلت: يا رسول اللّه إنّه قطع يدي، ثمّ قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: لا تقتله، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال».

وبمثل ذلك قال الرّسول صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيدٍ فيما رواه مسلمٌ: «أفلا شققت عن قلبه حتّى تعلم أقالها أم لا». ولذا فإنّ الفقهاء قالوا: لو أنّ المسلمين أخذوا أسراء من أهل الحرب فأرادوا قتلهم، فقال رجلٌ منهم: أنا مسلمٌ، فلا ينبغي لهم أن يقتلوه حتّى يسألوه عن الإسلام، فإن وصفه لهم فهو مسلمٌ، وإن أبى أن يصفه فإنّه ينبغي للمسلمين أن يصفوه له، ثمّ يقولوا له: هل أنت على هذا؟ فإن قال: نعم، فهو مسلمٌ، ولو قال: لست بمسلمٍ ولكن ادعوني إلى الإسلام حتّى أسلم لم يحلّ قتله.

أسرى البغاة:

36 - البغي في اللّغة: مصدر بغى، وهو بمعنى علا وظلم وعدل عن الحقّ واستطال. ومنه قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللّه}.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير