تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والبغاة في الاصطلاح: هم الخارجون على الإمام الحقّ بغير حقٍّ ولهم منعةٌ. ويجب قتالهم لردعهم لا لقتلهم وسنتصدّى للكلام عن حكم أسراهم.

37 - أسرى البغاة تعاملهم الشّريعة الإسلاميّة معاملةً خاصّةً، لأنّ قتالهم لمجرّد دفعهم عن المحاربة، وردّهم إلى الحقّ، لا لكفرهم. روي عن ابن مسعودٍ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «يا ابن أمّ عبدٍ ما حكم من بغى على أمّتي؟ قال: فقلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: لا يتبع مدبرهم، ولا يذفّف على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يقسم فيؤهم».

38 - وقد اتّفق الفقهاء على عدم جواز سبي نساء البغاة وذراريّهم. بل ذهب بعض الفقهاء إلى قصر الأسر على الرّجال المقاتلين وتخلية سبيل الشّيوخ والصّبية، وقد روي أنّ عليّاً رضي الله عنه لمّا وقع القتال بينه وبين معاوية، قرّر عليٌّ عدم السّبي وعدم أخذ الغنيمة، فاعترض عليه بعض من كانوا في صفوفه، فقال ابن عبّاسٍ لهم: أفتسبون أمّكم عائشة؟ أم تستحلّون منها ما تستحلّون من غيرها. فإن قلتم ليست أمّكم كفرتم، لقوله تعالى {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم} وإن قلتم: إنّها أمّكم واستحللتم سبيها فقد كفرتم، لقوله تعالى {وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً}. فلا يستباح منهم إلاّ بقدر ما يدفع القتال ويبقى حكم المال والذّرّيّة على أصل العصمة. ولفقهاء المذاهب تفصيلٌ في حكم أسرى البغاة.

39 - ويتّفق الفقهاء على عدم استرقاق أسرى البغاة، لأنّ الإسلام يمنع الاسترقاق ابتداءً، وقد روي عن عليٍّ رضي الله عنه أنّه قال يوم الجمل:" لا يقتل أسيرهم، ولا يكشف سترٌ، ولا يؤخذ مالٌ " أي لا يسترقّون ولذا فإنّه لا تسبى نساؤهم ولا ذراريّهم. والأصل أنّ أسيرهم لا يقتل لأنّه مسلمٌ، وقد نصّ على تحريم ذلك كلٌّ من الشّافعيّة والحنابلة، حتّى قال الحنابلة: وإن قتل أهل البغي أسارى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أساراهم، لأنّهم لا يقتلون بجناية غيرهم، ويتّجه المالكيّة وجهة الشّافعيّة والحنابلة في عدم قتل الأسرى.

غير أنّه جاء في بعض كتب المالكيّة: أنّه إذا أسر بعد انقضاء الحرب يستتاب، فإن لم يتب قتل. وقيل: يؤدّب ولا يقتل وإن كانت الحرب قائمةً فللإمام قتله. ولو كانوا جماعةً، إذا خاف أن يكون منهم ضررٌ. أمّا الحنفيّة فيفرّقون بين ما إذا كان لأسرى البغاة فئةٌ، وبين ما إذا لم تكن لهم فئةٌ، فقالوا: لو كان للبغاة فئةٌ أجهز على جريحهم، واتّبع هاربهم لقتله أو أسره، فإن لم يكن له فئةٌ فلا، والإمام بالخيار في أسرهم إن كان له فئةٌ: إن شاء قتله لئلاّ ينفلت ويلحق بهم، وإن شاء حبسه حتّى يتوب أهل البغي، قال الشرنبلالي: وهو الحسن، لأنّ شرّه يندفع بذلك، وقالوا: إنّ ما قاله عليٌّ رضي الله عنه من عدم قتل الأسير مؤوّلٌ بما إذا لم يكن لهم فئةٌ، وقالوا: إنّ عليّاً كان إذا أخذ أسيراً استحلفه ألاّ يعين عليه وخلاّه، أمّا إذا لم تكن لهم فئةٌ فلا يقتل أسيرهم. والمرأة من أهل البغي إذا أسرت وكانت تقاتل حبست ولا تقتل، إلاّ في حال مقاتلتها. وكذا العبيد والصّبيان.

40 - ويتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز فداؤهم نظير مالٍ، وإنّما إذا تركهم مع الأمن كان مجّاناً، لأنّ الإسلام يعصم النّفس والمال، كما أنّه لا يجوز للإمام موادعتهم على مالٍ، وإن وادعهم على مالٍ بطلت الموادعة ونظر في المال، فإن كان من فيئهم أو من صدقاتهم لم يردّه عليهم، وصرف الصّدقات في أهلها، والفيء في مستحقّيه، وإن كان من خالص أموالهم وجب ردّه عليهم.

41 - ويجوز مفاداتهم بأسارى أهل العدل، وإن أبى البغاة مفاداة الأسرى الّذين معهم وحبسوهم، قال ابن قدامة: احتمل أن يجوز لأهل العدل حبس من معهم، ليتوصّلوا إلى تخليص أساراهم، ويحتمل ألاّ يجوز حبسهم ويطلقون، لأنّ المترتّب في أسارى أهل العدل لغيرهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير