42 - وعلى ما سبق من عدم جواز قتلهم، فإنّهم يحبسون ولا يخلّى سبيلهم، إن كان فيهم منعةٌ، ولو كان الأسير صبيّاً أو امرأةً أو عبداً إن كانوا مقاتلين، وإلاّ أطلقوا بمجرّد انقضاء الحرب، وينبغي عرض التّوبة عليهم ومبايعة الإمام. ولو كانوا مراهقين وعبيداً ونساءً غير مقاتلين أو أطفالاً أطلقوا بعد الحرب دون أن نعرض عليهم مبايعة الإمام.
وفي وجهٍ عند الحنابلة يحبسون، لأنّ فيه كسراً لقلوب البغاة. وقالوا: إن بطلت شوكتهم ويخاف اجتماعهم في الحال، فالصّواب عدم إرسال أسيرهم والحالة هذه.
أسرى الحربيّين إذا أعانوا البغاة:
43 - قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة: إذا استعان البغاة على قتالنا بقومٍ من أهل الحرب وأمّنوهم، أو لم يؤمنوهم، فظهر أهل العدل عليهم، فوقعوا في الأسر عند أهل العدل، أخذوا حكم أسرى أهل الحرب، واستثنى الشّافعيّة ما إذا قال الأسير: ظننت جواز إعانتهم، أو أنّهم على حقٍّ ولي إعانة المحقّ، وأمكن تصديقه فإنّه يبلّغ مأمنه، ثمّ يقاتل كالبغاة.
الأسرى من أهل الذّمّة إذا أعانوا البغاة:
44 - إذا استعان البغاة على قتالنا بأهل الذّمّة، فوقع أحدٌ منهم في الأسر، أخذ حكم الباغي عند الحنفيّة، فلا يقتل إذا لم تكن له فئةٌ، ويخيّر الإمام إذا كانت له فئةٌ، ولا يجوز استرقاقه. وقال المالكيّة: إذا استعان الباغي المتأوّل بذمّيٍّ فلا يغرم الذّمّيّ ما أتلفه من نفسٍ أو مالٍ، ولا يعدّ خروجه معه نقضاً للعهد.
أمّا إن كان الباغي معانداً - أي غير متأوّلٍ - فإنّ الذّمّيّ الّذي معه يكون ناقضاً للعهد، ويكون هو وماله فيئاً. وهذا إن كان مختاراً، أمّا إن كان مكرهاً فلا ينتقض عهده، وإن قتل نفساً يؤخذ بها، حتّى لو كان مكرهاً. وقول الشّافعيّة في ذلك كقول المالكيّة. قالوا: لو أعان الذّمّيّون البغاة في القتال، وهم عالمون بالتّحريم مختارون انتقض عهدهم، كما لو انفردوا بالقتال. أمّا إن قال الذّمّيّون: كنّا مكرهين، أو ظننّا جواز القتال إعانةً، أو ظننّا أنّهم محقّون فيما فعلوه، وأنّ لنا إعانة المحقّ وأمكن صدقهم، فلا ينتقض عهدهم، لموافقتهم طائفةً مسلمةً مع عذرهم، ويقاتلون كبغاةٍ. ومثلهم في ذلك المستأمنون، على ما صرّح به الشّافعيّة. وللحنابلة قولان في انتقاض عهدهم،
أحدهما: ينتقض عهدهم، لأنّهم قاتلوا أهل الحقّ فانتقض عهدهم كما لو انفردوا بقتلهم. ويصيرون كأهل الحرب في قتل مقبلهم واتّباع مدبرهم وجريحهم.
والثّاني: لا ينتقض، لأنّ أهل الذّمّة لا يعرفون المحقّ من المبطل، فيكون ذلك شبهةً لهم. ويكون حكمهم حكم أهل البغي في قتل مقبلهم، والكفّ عن أسرهم ومدبرهم وجريحهم.
وإن أكرههم البغاة على معونتهم، أو ادّعوا ذلك قبل منهم، لأنّهم تحت أيديهم وقدرتهم. وكذلك إن قالوا: ظننّا أنّ من استعان بنا من المسلمين لزمتنا معونته، لأنّ ما ادّعوه محتملٌ، فلا ينتقض عهدهم مع الشّبهة. وإن فعل ذلك المستأمنون نقض عهدهم. والفرق بينهما أنّ أهل الذّمّة أقوى حكماً، لأنّ عهدهم مؤبّدٌ، ولا يجوز نقضه لخوف الخيانة منهم، ويلزم الإمام الدّفع عنهم، والمستأمنون بخلاف ذلك. وإذا أسر من يراد عقد الإمامة له، وكان لا يقدر على الخلاص من الأسر، منع ذلك من عقد الإمامة له.
أسرى الحرابة:
45 - المحاربون طائفةٌ من أهل الفساد، اجتمعت على شهر السّلاح وقطع الطّريق، ويجوز حبس من أسر منهم لاستبراء حاله، ومن ظفر بالمحارب فلا يلي قتله، ويرفعه إلى الإمام. قال المالكيّة: إلاّ أن يخاف ألاّ يقيم الإمام عليه الحكم.
ولا يجوز للإمام تأمينه، وإن استحقّوا الهزيمة فجريحهم أسيرٌ، والحكم فيهم للإمام، مسلمين كانوا أو ذمّيّين عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة، وأحد قولين عند الحنابلة. وكذلك المستأمن عند أبي يوسف والأوزاعيّ. وموضع بيان ذلك مصطلح (حرابةٌ).
أسرى المرتدّين وما يتعلّق بهم من أحكامٍ:
46 - الرّدّة في اللّغة: الرّجوع، فيقال: ارتدّ عن دينه إذا كفر بعد إسلامٍ.
¥