وقال الذهبي كما في السير 7/ 39: (وقد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء لأشياء منها: تشيعه، ونسب إلى القدر ويدلس في حديثه، فأما الصدق فليس بمدفوع عنه) أهـ.
قلت: وهو مع كل ذلك الإمام ابن إسحاق – رحمة الله عليه-.
(11) عبد الرزاق بن همام الصنعاني
صاحب المصنف، وهو عالم من علماء الأمة وحافظ من كبار المحدثين، وذكر الذهبي أنه شيخ الإسلام ومحدث الوقت وأن أوهامه مغمورة واحتج به كل أرباب الصحاح، إلا أنه يتشيع، وقد ذكر هذا عنه جمع من أهل العلم، ومع هذا كان الذهبي يقول: (وبكل حالٍ فنستغفر الله لنا ولعبد الرزاق، فإنه مأمون على حديث رسول الله e صادق) أهـ.
قلت ولعبد الرزاق مقالات تدل على تشيعه، بل ضن بعض أهل العلم أنه مُفْرِط التشيع، ومع ذلك كان الذهبي يسأل الله لعبد الرزاق العفو والمغفرة.
(12) أبو محمد علي بن حزم
قال فيه شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله – كما في مجموع الفتاوى 4/ 18 ما يلي: (وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل إنما يستحمد بموافقة السنة والحديث مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك، بخلاف ما انفرد به من قوله في التفضيل بين الصحابة، وكذلك ما ذكره في باب الصفات فإنه يستحمد فيه بموافقة أهل السنة والحديث لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة ويعظم السلف وأئمة الحديث ويقول أنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن وغيرها ولا ريب أنه موافق له ولهم في بعض ذلك.
لكن الأشعري ونحوه أعظم موافقة للإمام أحمد بن حنبل ومن قبله من الأئمة في القرآن والصفات وأن كان أبو محمد بن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيماً له ولأهله من غيره، لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم ذلك، فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى، وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه لظاهر لا باطن له كما نفى خرق العادات ونحوه من عبادات القلوب، مضموماً إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر، والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظاهر.
وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر، ويوجد في كتبه من كثرة الإطلاع على الأقوال والمعرفة بالأحوال والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره، فالمسألة التي يكون فيها الحديث يكون جانبه في ظاهر الترجيح وله التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقوال السلف ما لا يكاد يقع مثله لغيره في الفقه) أهـ.
قلت: لذا ينبغي أن يترحم على هذا العالم الجليل وينبغي ردع المتطاولين عليه، وأخطاؤه وجرأته على العلماء أمرها على الله والله عفو غفور رحيم.
(13) رأي بعض الفقهاء فيمن لعن الأشعرية
ونقل ابن تيميه في مجموع الفتاوى 4/ 15 - 16 - 17 عن بعض الفقهاء أنه قال: (وأما لعن العلماء لأئمة الأشعرية فمن لعنهم عزر وعادت اللعنة عليه، فمن لعن من ليس أهلاً للعنة وقعت اللعنة عليه، والعلماء أنصار فروع الدين والأشعرية أنصار أصول الدين).
ثم عقب شيخ الإسلام على المقالة قائلاً: (إنما منع اللعن وأمر بتعزير اللاعن لأجل ما نصروه من أصول الدين وهو ما ذكرناه من موافقة القرآن والسنة والحديث والرد على من خالف القرآن والسنة والحديث ولهذا كان الشيخ أبو إسحاق يقول: (إنما نفقت الأشعرية عند الناس بانتسابهم إلى الحنابلة) وهذا ظاهر عليه وعلى أئمة أصحابه في كتبهم ومصنفاتهم قبل وقوع الفتنة القشيرية في بغداد ولهذا قال أبو القاسم بن عساكر في مناقبه (ما زالت الحنابلة والأشاعرة في قديم الدهر متفقين غير متفرقين حتى حدثت فتنة ابن القشيري بمدحه، إلا إذا وافق السنة والحديث ولا يذمه من يذمه إلا بمخالفة السنة والحديث وهذا إجماع من جميع هذه الطوائف على تعظيم السنة والحديث واتفاق شهاداتهم على أن الحق في ذلك.
¥