تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" ثكلته أمه، رجل قتل رجلاً متعمداً، جاء يوم القيامة آخذه بيمينه أو بشماله، تَشخب أوداجه دماً في قُبل عرش الرحمن، يلزم قاتله بيده الأخرى، يقول: سل هذا فيم قتلني؟ ".

صحيح، رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وغيرهم.

فإن ظاهر ما سبق يوهم أنه يخالف قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.

والأحاديث الكثيرة التي منها: " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان "، رواه البخاري (22 و 4581 و 4919 و 6560 و 7439)، ومسلم، والنسائي، والترمذي (3/ 714) واللفظ له، وابن ماجه، من حديث أبي سعيد الخدري، مرفوعاً.

وإليك دفع هذه الشبهات:

أولاً: أثر ابن عباس.

وقد بدأت به؛ لأنه من أقوى الشبهات،

والصواب أنه قال ذلك لسبب معين، فقد رواه يزيد بن هارون، قال: أخبرنا أبومالك الأشجعي، عن سعد بن عبيدة، قال: " جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: ألمن قتل مؤمناً متعمداً توبة؟

قال: لا إلا النار.

قال: فلما ذهب، قال له جلساؤه: أهكذا كنت تفتينا؟ كنت تفتينا: أن لمن قتل توبة مقبولة.

قال: إني لأحسبه رجلاً مغضباً يريد أن يقتل مؤمناً.

قال: فبعثوا في إثره فوجدوه كذلك ".

وهذا الأثر أورده القرطبي في " تفسيره " ج2 / ص1994، وهذا الإسناد صحيح، ولكني لم أقف على من فوق يزيد بن هارون.

ثم وقفت عليه في " المصنف " لابن أبي شيبة ج5 / ص435 فرواه عن يزيد، به، مثله.

فصح السند، والحمد لله.

وعلى هذا يُحمل كلام ابن عباس، كي يوافق نصوص الكتاب والسنة، وكلام علماء أهل السنة.

قال النووي في " شرح مسلم " (9/ 385): " وهذه الرواية الثانية هى مذهب جميع أهل السنة والصحابة والتابعين ومن بعدهم، وما روى عن بعض السلف مما يخالف هذا محمول على التغليظ والتحذير من القتل والتورية فى المنع منه ".

وقال القرطبي – بعد ذكر هذه الرواية الثانية –: " وهذ هو مذهب أهل السنة، وهو الصحيح ".

ثانياً: الحديثين المذكوريين.

1 - " كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا من مات مشركاً، أو من قتل مؤمناً متعمداً ".

يحمل على التغليظ كما قال ابن حجر في " الفتح " (8/ 354).

2 - الحديث الذي ذكره ابن عباس، ليس فيه دليل على الخلود في النار، أو أنه ليست له توبة، فتنبه.

ثالثاً: الآية المذكورة.

قال النووي في " شرح مسلم " (9/ 96، 97): " وأما قوله تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها}، فالصواب فى معناها: أن جزاءه جهنم، وقد يجازى به، وقد يجازى بغيره، وقد لايجازى بل يعفى عنه، فإن قتل عمداً مستحلاً له بغير حق ولاتأويل؛ فهو كافر مرتد يخلد به فى جهنم بالاجماع، وإن كان غير مستحل بل معتقداً تحريمه؛ فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤه جهنم خالداً فيها، لكن بفضل الله تعالى أخبر أنه لايخلد من مات موحداً فيها، فلا يخلد هذا، ولكن قد يعفى عنه فلايدخل النار أصلاً، وقد لايعفى عنه بل يعذب كسائر العصاة الموحدين ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يدخل فى النار، فهذا هو الصواب فى معنى الآية، ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء، وليس فى الآية إخبار بأنه يخلد فى جهنم وإنما فيها أنها جزاؤه، أى: يستحق أن يجازى بذلك ..... ".

وقال ابن كثير (2/ 424): " والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها: أن القاتل له توبة فيما بينه وبين ربه عز وجل، فإن تاب وأناب وخشع وخضع وعمل عملاً صالحاً؛ بدل الله سيآته حسنات، وعوض المقتول من ظلامه وأرضاه عن طلابته، قال الله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر} إلى قوله: {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً} الآية، وهذا خبر لا يجوز نسخه وحمله على المشركين، وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر، ويحتاج حمله إلى دليل. والله أعلم ".

وقال ابن حجر في " الفتح " (8/ 354): " وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السنة ما ورد في ذلك على التغليظ، وصححوا توبة القاتل كغيره، وقالوا: معنى {فجزاؤه جهنم} أي: إن شاء الله أن يجازيه، تمسكاً بقوله تعالى في سورة النساء أيضاً: {إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ..... ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير