ولئلا يعتقد الكافرون – وأولهم (الشيطان) – أن رحمة الله المحيطة بهم في الدنيا تشملهم في الآخرة أيضا؛ قال تعالى: {فسأكتبها للذين يتقون}؛ أي: يجعلون وقاية بينهم وبين الشرك أولا، وبين المعاصي ثانيا، وبين الشبهات التي لا يعلمها كثير من الناس ثالثا. {ويوتون الزكاة}: أي المفروضة عليهم بالقرآن، وبينت السنة مقاديرها في النَّعم والذهب والفضة، والحبوب والثمار والعرَض والدين، أو بالسنة فقط؛ كزكاة الفطر. وفتاوي فقهاء الإسلام سواء منهم أهل الخلاص العالي أوالنازل في الاجتهاد في الموضوعات التي لها صلة بها.
ويمكننا اليوم أن نقول: إن الله – سبحانه وتعالى – جعلها منذ أربعة عشر قرنا بمثابة الضمان الاجتماعي في الإسلام، ولا زالت أكثر الحكومات الإسلامية اليوم لم تعرها أدنى اهتمام فتجعل لها وزارة خاصة، أو مصلحة تابعة لوزارة المالية تحارب بواسطتها التخلف، وتقاوم بها البطالة، وتقيم بها مشاريع اقتصادية وعسكرية هامة، بشرط ملازمة النصوص الواردة في الموضوع وما استنبطه منها علماء الاجتهاد المتوفرة فيهم شروط الاجتهاد. وكذلك المجاميع الاجتهادية الحديثة؛ كمجمع البحوث الإسلامية الذي يجتمع كل سنة بالقاهرة، ويتوفر على كبار علماء الإسلام.
ونحن في المغرب عرفنا قيمتها حينما جمعنا نحو خمسة ملايير من السنتيمات من زكاة الفطر وحدها أثناء تضامننا مع إخواننا السوريين والمصريين في حرب الجولان وسيناء ضد الصهاينة الأشرار سنة 1392. وإذا كان هذا في زكاة الفطر الواجبة بالسنة، فكيف بالزكاة الركنية الواجبة بالقرآن والسنة؟.
{والذين هم بآياتنا يؤمنون}: يصدقون بها، سواء كانت منزلة في القرآن الكريم، أو مثبتة في القرآن والسنة نقلا عن الكتب السماوية السابقة، وسواء كانت متعلقة بتوحيده سبحانه وباختراعاته الظارهة قديما، ابتداء من خلقه سبحانه الدنيا، أو في حياته صلى الله عليه وسلم، أو بعد مماته إلى يوم القيامة.
وقد عرّف العلماء – رحمهم الله – الإيمان بأنه: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، واتباع بإحسان. وهو تعريف جامع.
وبعد أن بين سبحانه أن التقوى وأداء الزكاة والإيمان بآياته المتعددة معدودة من أوصاف من تكتب له الرحمة في الدنيا والآخرة؛ ضم إلى ذلك أن سكون من أتباع الرسول النبي الأمي في الأقوال والأفعال، ذلك الرسول الذي يجد اليهود والنصارى نعوته السامية مكتوبة عندهم في التوراة التي أنزلها الله على سيدنا موسى، والإنجيل الذي أنزله على سيدنا عيسى عليهما الصلاة والسلام. وقد وقع الإجماع على أن المراد بالرسول هنا: سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
والرسالة هي: وساطة بين الله سبحانه وتعالى وبين خلقه، يخص بها صفوة عبيده. ومننه عليهم: أن بعث فيهم رسولا من أنفسهم؛ أي: إنسانا مثلهم ومن أفضلهم حسبا ونسبا، يدعوهم إلى سعادتهم في الدين والدنيا.
وقد عرّف علماء الكلام الرسول بأنه: إنسان حر، ذكر، أوحي إليه بشرع، وأمر بتبليغه. وسيدنا محمد هو أفضل خلق الله بإجماع، وهو خاتم ذروة الرسالة كما نص عليه القرآن.
والنبوءة: هي أعلى درجة في المثالية يتصف بها إنسان.
{من أنفسهم}: يختاره الله تعالى من أنفسهم حسبا ونسبا، ومن فضله سبحانه على عبيده: أن جعل كثرة النبيئين من هذا النوع المثالي؛ لأن التربية المثالية تؤثر تأثيرا كبيرا في النفوس. وخص جماعة بالنبوة والرسالة معا؛ لاحتياج مجتمعهم إلى الأمرين معا.
وقد عرف علماء التوحيد النبي بأنه: إنسان حر، ذكر، أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه.
والأمية: هي نسبة إلى الشعوب الذين كانوا أمة أمية، لا تقرأ ولا تكتب إلا نفرا قليلا منهم، والنادر لا حكم له. ومع ذلك؛ حكموا الدنيا وأسعدوها سعادة أبدية بفضل القرآن ومن نزل عليه القرآن.
أو: نسبة إلى الأم؛ وفي ذلك شرف للأمومة التي تنجب الأولاد والبنات الذين يخلفون آباءهم في الدنيا، ويظهر بارزا فيهم أثر الخلافة عن الله تعالى في الأرض.
أو: نسبة إلى أم القرى؛ وهي مكة، المشتملة على المسجد الحرام، أول بيت وضع للناس مباركا وهدى للعالمين، وقبلة للمسلمين الخالدة خلود الدنيا.
أما الأوصاف التي وصف الله – سبحانه وتعالى – رسوله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل؛ فهي ستة:
¥