تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالحديث المشار إليه الذي عند البزار وابن حبان والطحاوي يبين بوضوح أن المقصود بهم الأولون من الأمم السابقة, وقد صححه ابن حبان وصحح إسناده ابن حجر وقال شعيب عن إسناد ابن حبان: إسناده صحيح, رجاله ثقات رجال الشيخين, غير العلاء بن زياد متابع الحسن البصري .. وهو ثقة. وقال عن إسناد الطحاوي: إسناده صحيح, رجاله رجال الشيخين.

ومما يؤيد هذا القول: حديث أبي هريرة مرفوعا: " نحن الآخرون السابقون " أخرجه البخاري ومسلم, لأن فيه إطلاق لفظ " الآخرون " على هذه الأمة بمجموعها. وفي بعض ألفاظ الحديث" أول من يدخل الجنة ".

قال الشوكاني: الثلة: الجماعة التي لا يحصرها عدد. قال الزجاج: معنى ثلة معنى فرقة, من ثللت الشيء: إذا قطعته. والمراد بالأولين: هم الأمم السابقة من لدن آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم {وقليل من الآخرين} أي من هذه الأمة, وسموا قليلا بالنسبة إلى من كان قبلهم, وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم, وكثرة من أجابهم. قال الحسن: سابقوا من مضى أكثر من سابقينا. قال الزجاج: الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوا بهم أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: " ظاهر القرآن في هذا المقام: أن الأولين في الموضعين من الأمم الماضية, والآخرين فيهما من هذه الأمة .. أما شمول الآيات لجميع الأمم فقد دل عليه أول السورة, لأن قوله: {إذا وقعت الواقعة} – إلى قوله – {فكانت هباء منبثا} لا شك أنه لا يخص أمة دون أمة, وأن الجميع مستوون في الأهوال والحساب والجزاء.

فدل ذلك على أن قوله: {وكنتم أزواجا ثلاثة} عام في جميع أهل المحشر, فظهر أن السابقين وأصحاب اليمين منهم من هو الأمم السابقة, ومنهم من هو من هذه الأمة.

وعلى هذا, فظاهر القرآن, أن السابقين من الأمم الماضية أكثر من السابقين من هذه الأمة, وأن أصحاب اليمين من الأمم السابقة ليست أكثر من أصحاب اليمين من هذه الأمة, لأنه عبر في السابقين من هذه الأمة بقوله: {وقليل من الآخرين} وعبر عن أصحاب اليمين من هذه الأمة {وثلة من الآخرين}

ولا غرابة في هذا, لأن الأمم الماضية أمم كثيرة. وفيها أنبياء كثيرة ورسل, فلا مانع من أن يجتمع من سابقيها من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من سابقي هذه الأمة وحدها.

أما أصحاب اليمين من هذه الأمة فيحتمل أن يكونوا أكثر من أصحاب جميع الأمم, لأن الثلة تتناول العدد الكثير, وقد يكون أحد العددين أكثر من الآخر, مع أن كلاهما كثير.

ولهذا تعلم أن ما دل عليه ظاهر القرآن واختاره ابن جرير, لا ينافي ما جاء من أن نصف أهل الجنة من هذه الأمة .. " أضواء البيان 5/ 235.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: " الذين عاينوا الأنبياء أجمعين وصدقوا بهم أكثر ممن عاين نبينا وصدق به " زاد المسير 7/ 279.

قال ابن عاشور: " فالظاهر أن {الأولين} هنا مراد بهم الأمم السابقة قبل الإسلام بناء على ما تقدم من أن الخطاب في قوله {وكنتم أزواجا ثلاثة} خطاب لجميع الناس بعنوان أنهم ناس, لأن المنقرضين الذين يتقدمون من أمة أو قبيلة أو أهل نحلة يدعون بالأولين كما قال الفرزدق: ومهلهل الشعراء ذاك الأول, وقال تعالى {أو آباؤنا الأولون} الذين هم يخلفونهم ويكونون موجودين, أو في تقدير الموجودين يدعون الآخرين. وقد وصف أهل الإسلام بالآخرين في حديث فضل الجمعة " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا " الحديث .. فلا جرم أن المراد ب {الأولين} الأمم الأولى كلها, وكان معظم تلك الأمم أهل عناد وكفر ولم يكن المؤمنون فيهم إلا قليلا كما تنبئ به آيات كثيرة من القرآن. ووصف المؤمنين من بعض الأمم عند أقوامهم بالمستضعفين, وبالأرذلين, وبالأقلين. ولا جرم أن المراد بالآخرين الأمة الأخيرة وهم المسلمون.

فالسابقون طائفتان طائفة من الأمم الماضين ومجموع عددها في ماضي القرون كثير مثل أصحاب موسى عليه السلام الذين رافقوه في التيه, ومثل أصحاب أنبياء بني إسرائيل, ومثل الحواريين .. " تفسير التحرير والتنوير 27/ 290 - 291.

ثانيا: قوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا ولا استكانوا والله يحب الصابرين}.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ... " أخرجه البخاري وغيره.

وقد أخرج مسلم: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي, إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب. يأخذون بسنته ويقتدون بأمره .. )

الوجه السادس: مخالفة أصله الفاسد لأحاديث مكاثرة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمة الأمم.

وذلك لحديث: " تزوجوا الودود الودود الولود, فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ".

روي من حديث معقل بن يسار وأخرجه أبو داود (2050) والنسائي (3227) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي كما ذكر الألباني في تخريجه له في آداب الزفاف ص 133.

وحديث " إن لكل نبي حوض وأنهم يتباهون أيهم أكثر واردة, وأني أرجو الله أن أكون أكثرهم واردة " أخرجه الترمذي 2443.

وحديث " إن لكل نبي حوض " فيه كلام, ولكن أورد الألباني له طرق أخرى وقال: إن الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. ونقل عن ابن كثير قوله: وقد أفتى شيخنا المزي بصحته من هذه الطرق.

وفي بعض طرق الحديث: " ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا "

فأي معنى للمكاثرة يحصل إن كان مسلمي الأمم السابقة قليلون جدا كما يزعم صاحب الشبهة

الخاتمة:

يتبين بما سبق أن الأمم السابقة هي أكثر بكثير من هذه الأمة, وأن الثلث الباقي من أهل الجنة هم من أتباع الرسل المسلمين وهم كثر, وبهذا يتم الرد على هذه الشبهة المقيتة, نسأل الله أن يهدينا إلى الاشتغال بما ينفعنا وترك اتباع الشبهات والتمسك بالمحكمات, وأن يجعلنا من السابقين في الجنات, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو فاطمة الحسني

الخامس والعشرين من شعبان – 1427 من الهجرة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير