تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمسعر في اللغة فعله سعر يسعر تسعيرا وتسعيرة، يقال: أسْعَر أهلُ السوق وسَعَّرُوا إذا اتفّقوا علي سِعْر، وهو من سَعَّر النار إذا رفعها، لأن السِّعْر يوصف بالارتفاع، وسَعَرت النارَ إذا أوقَدتَهما وسعَّرتها بالتشديد للمبالغة، واسْتَعَرَتْ وتَسَعَّرَتْ اشتعلت واستوقدت ونار سَعِيرٌ يعني مستعرة ومرتفعة والسعير النار والسعار حر النار، ومنه قوله تعالي: (فَسُحْقاً لأصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:11) أَي بُعْداً لأَهل النار، وكذلك قوله تعالي: (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) (التكوير:12) وقوله: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) (الفرقان:11) وكذلك قوله: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَي وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرا ً) (الإسراء:97)، وناقة مسعورة كأَن بها جنوناً من سرعتها ونفرتها وكلب مسعور من شدة نهشه وعضه في الناس، أو مسعور بمعنى جوعان متلهف للطعام والالتهام، وخلاصة المعنى اللغوي للمسعر هو الذي يزيد الشيء ويرفع من قيمته أو مكانته أو تأثيره هو الذي يُرْخِصُ الأَشياءَ ويُغْلِيها فلا اعتراض لأَحد عليه.

والمسعر اسم من أسماء الله دل على صفة من صفات الفعل وهي التسعير، والتسعير في حق الله يتعلق بنوعي التدبير، فالتدبير منه ما هو متعلق بتصريف المقادير وهو التدبير الكوني، ومنه ما هو متعلق بالحكم الشرعي وهو التدبير الشرعي، فالأول هو المقصود بحديث النهي عن التسعير، لأن ارتفاع السعر أو انخفاضه في هذا المقام مرتبط بالتدبير الكوني والتقدير الأزلي، فالسعر يرتفع بين الناس إما لقلة الشيء وندرته، وإما لزيادة الطلب وكثرته، وهذه أمر يتعلق بمشيئة الله وحكمته، فهو الذي يبتلي عباده في تصريف أرزاقهم وترتيب أسبابهم، فقد يهيأ أسباب الكسب لإغناء فقير أو يمنع الأسباب لإضعاف كبير، فهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر وهو على كل شيء قدير، (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيرا ً) (الإسراء:30) والله عز وجل يقول أيضا: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الشورى:12)، فهذا تدبير الله في خلقه وحكمته في تقدير المقادير، وإذا ألزمنا الناس في هذه الحالة أن يبيعوا بقيمة محددة مع تيسر الأسباب في بسط رزقهم، فهذا ظلم للخلق وإكراه بغير حق واعتراض على الله في تقسيم الرزق، ولذلك قال رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وإني لأَرْجُو أَنْ أَلْقَي اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ) فقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم الحكم علي الوصف المناسب فمن حاول التسعير على هذا الوضع، فقد عارض الخالق ونازعه في مراده، ومنع العباد حقهم مما أولاهم الله في والرخص الغلاء، فبين أن المانع له من التسعير أن يتضمن ظلما للناس في أموالهم، لكونه تصرفا فيها بغير إذنهم فقال: وإني لأَرْجُو أَنْ أَلْقَي اللَّهَ وَلاَ يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُهَا إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ.

وأما التسعير المتعلق بالتدبير الشرعي فهو منع الظلم وكفه عن الناس، بمنع استغلال حاجتهم أو احتكار التجار لسلعتهم طلبا لزيادة الأسعار، كأن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة عن القيمة المناسبة، فهنا إلزامهم بقيمة المثل من الأحكام الواجبة، فالتسعير هنا إلزام بالعدل الذي ألزمهم به الله، ومن احتج علي منع التسعير مطلقا بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ)، قيل له هذه قضية معينة في حالات خاصة تتعلق بقلة الشيء وندرته، أو زيادة الطلب وكثرته، وهذه أمر كما أسلفنا يتعلق بمشيئة الله وحكمته، فهو الذي يبتلي عباده في تصريف أرزاقهم وترتيب أسبابهم فقد يقبض في بعض الأوقات وقد يبسط الرزق ويوسع على المخلوقات، ولذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير