6 - لا ترجعوا بعدي كفارا , يضرب بعضكم رقاب بعض. متفق عليه. إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لاستقصائها. فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي , فكفره كفر عملي , أي إنه يعمل عمل الكفار , إلا أن يستحلها , و لا يرى كونها معصية فهو حينئذ كافر حلال الدم , لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضا , و الحكم بغير ما أنزل الله , لا يخرج عن هذه القاعدة أبدا , و قد جاء عن السلف ما يدعمها , و هو قولهم في تفسير الآية: "كفر دون كفر" , صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه , ثم تلقاه عنه بعض التابعين و غيرهم , و لابد من ذكر ما تيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضل اليوم في هذه المسألة الخطيرة , و نحا نحو الخوارج الذين يكفرون المسلمين بارتكابهم المعاصي , و إن كانوا يصلون و يصومون!
1 - روى ابن جرير الطبري (10/ 355/12053) بإسناد صحيح عن ابن عباس: (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر , و ليس كفرا بالله و ملائكته و كتبه و رسله.
2 - و في رواية عنه في هذه الآية: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه , إنه ليس كفرا ينقل عن الملة , كفر دون كفر. أخرجه الحاكم (2/ 313) و قال: "صحيح الإسناد". و وافقه الذهبي , و حقهما أن يقولا: على شرط الشيخين. فإن إسناده كذلك. ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في " تفسيره " (6/ 163) عن الحاكم أنه قال: "صحيح على شرط الشيخين" , فالظاهر أن في نسخة "المستدرك" المطبوعة سقطا , و عزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضا ببعض اختصار.
3 - و في أخرى عنه من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر , و من أقر به و لم يحكم فهو ظالم فاسق. أخرجه ابن جرير (12063). قلت: و ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس , لكنه جيد في الشواهد.
4 - ثم روى (12047 - 12051) عن عطاء بن أبي رباح قوله: (و ذكر الآيات الثلاث): كفر دون كفر , و فسق دون فسق , و ظلم دون ظلم. و إسناده صحيح.
5 - ثم روى (12052) عن سعيد المكي عن طاووس (و ذكر الآية) قال: ليس بكفر ينقل عن الملة. و إسناده صحيح , و سعيد هذا هو ابن زياد الشيباني المكي , وثقه ابن معين والعجلي و ابن حبان و غيرهم , و روى عنه جمع.
6 - و روى (12025و12026) من طريقين عن عمران بن حدير قال: أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس (و في الطريق الأخرى: نفر من الإباضية) فقالوا: أرأيت قول الله: (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) أحق هو؟ قال: نعم. قالوا: (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) أحق هو؟ قال: نعم. قالوا: (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) أحق هو؟ قال: نعم.
قال: فقالوا: يا أبا مجلز فيحكم هؤلاء بما أنزل الله ? قال: هو دينهم الذي يدينون به , و به يقولون و إليه يدعون -[يعني الأمراء]- فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم أصابوا ذنبا. فقالوا: لا والله , و لكنك تفرق. قال: أنتم أولى بهذا مني! لا أرى , و إنكم أنتم ترون هذا و لا تحرجون , و لكنها أنزلت في اليهود و النصارى و أهل الشرك. أو نحوا من هذا , و إسناده صحيح.
و قد اختلف العلماء في تفسير الكفر في الآية الأولى على خمسة أقوال ساقها ابن جرير (10/ 346 - 357) بأسانيده إلى قائليها , ثم ختم ذلك بقوله (10/ 358): "و أولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب , لأن ما قبلها و ما بعدها من الآيات ففيهم نزلت , و هم المعنيون بها , و هذه الآيات سياق الخبر عنهم , فكونها خبرا عنهم أولى. فإن قال قائل:فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله , فكيف جعلته خاصا ? قيل: إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين , فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم -على سبيل ما تركوه- كافرون. و كذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به هو بالله كافر , كما قال ابن عباس , لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه , نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي ". و جملة القول أن الآية نزلت في اليهود الجاحدين لما أنزل الله , فمن شاركهم في الجحد , فهو كافر كفرا اعتقاديا ,
¥