وسلم يقول: فذكر الحديث.
قوله: (ما أقاموا الدين) أي: مدة إقامتهم أمور الدين , و مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم , و في ذلك أحاديث أخرى تقدم أحدها (1552) و انظر الآتي بعده. و إليها أشار الحافظ في شرحه لهذا الحديث بقوله (13/ 117): " و يؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من الله أولا , و هو الموجب للخذلان و فساد التدبير , و قد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية , ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم , و وجد ذلك في غلبة مواليهم حيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه, يقتنع بلذاته و يباشر الأمور غيره , ثم اشتد الخطب فغلب عليهم الديلم , فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة , و اقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم , ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة , حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار , و لم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار ".
قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة , بل الأمر أسوأ , فإنه لا خليفة اليوم لهم , لا اسما و لا رسما , و قد تغلبت اليهود و الشيوعيون و المنافقون على كثير من البلاد الإسلامية. فالله تعالى هو المسؤول أن يوفق المسلمين أن يأتمروا بأمره في كل ما شرع لهم , و أن يلهم الحكام منهم أن يتحدوا في دولة واحدة تحكم بشريعته , حتى يعزهم الله في الدنيا , و يسعدهم في الآخرة , و إلا فالأمر كما قال تعالى: * (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) * , و تفسيرها في الحديث الصحيح: " إذا تبايعتم بالعينة , و أخذتم أذناب البقر , و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد في سبيل الله , سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم , فإلى دينكم أيها المسلمون حكاما و محكومين.
حض من أسلم على مفارقة المشركين
2857 - (إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله و أقمتم الصلاة و آتيتم الزكاة و فارقتم المشركين و أعطيتم من الغنائم الخمس و سهم النبي صلى الله عليه وسلم , و الصفي - و ربما قال: و صفيه - فأنتم آمنون بأمان الله و أمان رسوله).
أخرجه البيهقي (6/ 303 و 9/ 13) و أحمد (5/ 78) و الخطابي في " غريب الحديث " (4/ 236) من طريق مرة بن خالد: حدثنا يزيد بن عبد الله بن الخير قال: بينا نحن بالمربد إذ أتى علينا أعرابي شعث الرأس , معه قطعة أديم أو قطعة جراب , فقلنا: كأن هذا ليس من أهل البلد , فقال: أجل , هذا كتاب كتبه لي رسول الله عليه وسلم , فقال القوم: هات , فأخذته فقرأته فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني زهير بن أقيش - قال أبو العلاء: و هم حي من عكل -: إنكم إن شهدتم ... الحديث. و اللفظ للبيهقي. و هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين و جهالة الصحابي لا تضر كما تقرر. و رواه أحمد (5/ 77) من طريق عبد الرزاق (4/ 300 / 7877) عن الجريري عن أبي العلاء ابن الشخير به نحوه.
(الصفي): ما كان صلى الله عليه وسلم يصطفيه و يختاره من عرض المغنم من فرس أو غلام أو سيف , أو ما أحب من شيء , و ذلك من رأس المغنم قبل أن يخمس , كان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بهذه الثلاث (يعني المذكورة في الحديث: الخمس و السهم و الصفي) عقبة و عوضا عن الصدقة التي حرمت عليه. قاله الخطابي.
قلت: في هذا الحديث بعض الأحكام التي تتعلق بدعوة الكفار إلى الإسلام , من ذلك: أن لهم الأمان إذا قاموا بما فرض الله عليهم , و منها: أن يفارقوا المشركين و يهاجروا إلى بلاد المسلمين. و في هذا أحاديث كثيرة , يلتقي كلها على حض من أسلم على المفارقة , كقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين , لا تتراءى نارهما " , و في بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على بعضهم في البيعة أن يفارق المشرك. و في بعضها قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا , أو يفارق المشركين إلى المسلمين".
إلى غير ذلك من الأحاديث , و قد خرجت بعضها في " الإرواء " (5/ 29 - 33) و فيما تقدم برقم (636).
¥