قمت بشيء من ذلك بردي الجديد عليه , متتبعا تضعيفه للأحاديث الصحيحة التي احتج بها الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه " إغاثة اللهفان " الذي قام المذكور بطبعه و تخريج أحاديثه , فأفسده أيما إفساد بأكثر مما كان فعله من قبل بكتاب الإمام النووي: " الرياض "!
النشرة من الشيطان
2760 - (النشرة من عمل الشيطان).
أخرجه أحمد في " المسند " (3/ 294) و عنه أبو داود في " السنن " (3868) و من طريقه البيهقي (9/ 351): حدثنا عبد الرزاق حدثنا عقيل بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يحدث عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة ? فقال: " هو من عمل الشيطان ".
و " النشرة ": الرقية. قال الخطابي:
" النشرة: ضرب من الرقية و العلاج , يعالج به من كان يظن به مس الجن ".
قلت: يعني الرقى غير المشروعة, و هي ما ليس من القرآن و السنة الصحيحة و هي التي جاء إطلاق لفظ الشرك عليها في غير ما حديث , و قد تقدم بعضها , فانظر مثلا: (331 و 1066) , و قد يكون الشرك مضمرا في بعض الكلمات المجهولة المعنى , أو مرموزا له بأحرف مقطعة , كما يرى في بعض الحجب الصادرة من بعض الدجاجلة , و على الرقى المشروعة يحمل ما علقه البخاري عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب (أي سحر) أو يؤخذ عن امرأته , أيحل عنه أو ينشر ? قال: لا بأس به , إنما يريدون به الإصلاح , فأما ما ينفع فلم ينه عنه.
و وصله الحافظ في " الفتح " (10/ 233) من رواية الأثرم و غيره من طرق عن قتادة عنه. و رواية قتادة أخرجها ابن أبي شيبة (8/ 28) بسند صحيح عنه مختصرا.
هذا و لا خلاف عندي بين الأثرين , فأثر الحسن يحمل على الاستعانة بالجن و الشياطين و الوسائل المرضية لهم كالذبح لهم و نحوه , وهو المراد بالحديث , و أثر سعيد على الاستعانة بالرقى و التعاويذ المشروعة بالكتاب و السنة. و إلى هذا مال البيهقي في " السنن " , و هو المراد بما ذكره الحافظ عن الإمام أحمد أنه سئل عمن يطلق السحر عن المسحور ? فقال: " لا بأس به". و أما قول الحافظ: " و يختلف الحكم بالقصد , فمن قصد بها خيرا , و إلا فهو شر ".
قلت: هذا لا يكفي في التفريق , لأنه قد يجتمع قصد الخير مع كون الوسيلة إليه شر , كما قيل في المرأة الفاجرة: ... ... ... ... ... ليتها لم تزن و لم تتصدق.
و من هذا القبيل معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ (الطب الروحاني) سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينه من الجن كما كانوا عليه في الجاهلية , أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح , و نحوه عندي التنويم المغناطيسي , فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تشرع لأن مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في القرآن الكريم: * (و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) * أي خوفا و إثما.
و ادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون بالصالحين منهم , دعوى كاذبة لأنهم مما لا يمكن - عادة - مخالطتهم و معاشرتهم , التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم , و نحن نعلم بالتجربة أن كثيرا ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس , يتبين لك أنهم لا يصلحون , قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم) * هذا في الإنس الظاهر , فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم: * (إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم) *.
إلى دينكم أيها المسلمون حكاما و محكومين
2856 - (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين).
أخرجه البخاري (6/ 416 و 13/ 99) و الدارمي (2/ 242) و ابن أبي عاصم في " السنة " (1112) و أحمد (4/ 94) و الطبراني (19/ 337 و 779 - 81/ 3) من طريق الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية - و هم عنده في وفد من قريش - أن عبد الله بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان , فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله , و لا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , و أولئك جهالكم , فإياكم و الأماني التي تضل أهلها , إني سمعت رسول الله صلى الله عليه
¥