تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10/ 269 / 10525): حدثنا إدريس بن عبد الكريم الحداد حدثنا أحمد بن حاتم الطويل حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن عبد الرحمن بن ثروان عن زاذان قال: قال عبد الله بن مسعود: قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأولى و العصر , و بين المغرب و العشاء , فقيل له , فقال: فذكره.

و اعلم أن الشوكاني رحمه الله ذهب إلى أن المقصود بالحديث إنما هو الجمع الصوري , و أطال البحث في ذلك جدا , و تكلف في تأويل الحديث و صرف معناه عن الجمع الحقيقي الثابت صراحة في بعض أحاديث الجمع في السفر. و احتج لذلك بأمور يطول الكلام عليها جدا , و الذي أريد أن ألفت النظر إليه إنما هو أنه لم يتنبه إلى أن قوله: " كي لا يحرج أمته " نص في الجمع الحقيقي , لأن رفع الحرج إنما يعني في الاصطلاح الشرعي رفع الإثم و الحرام (راجع النهاية) كما في أحاديث أخرى , الأصل فيها المؤاخذة لولا الحرج , كمثل ترك صلاة الجمعة و الجماعة من أجل المطر و البرد , كما في حديث ابن عباس لما أمر المؤذن يوم الجمعة أن يقول: " الصلاة في الرحال " , فأنكر ذلك بعضهم ,

فقال: " كأنكم أنكرتم هذا , إن هذا فعله من هو خير مني. يعني النبي صلى الله عليه وسلم , إنها عزمة , إني كرهت أن أحرجكم ". رواه البخاري (616 و 668 و 901) و ابن أبي شيبة (2/ 153) نحوه , ثم روى (2/ 234) الموقوف منه. و حديث نعيم بن النحام قال: " نودي بالصبح في يوم بارد و هو في مرط امرأته , فقال: ليت المنادي نادى: " و من قعد فلا حرج " , فنادى منادي النبي صلى الله

عليه وسلم في آخر أذانه: " و من قعد فلا حرج ". رواه عبد الرزاق في " المصنف " (1/ 501 / 1926) و أحمد (4/ 320) و البيهقي (1/ 398 و 323) و أحد إسناديه صحيح , و صحح الحافظ (2/ 98 - 99) إسناد عبد الرزاق! و قد مضى تخريجه و ما يستفاد منه في هذا المجلد برقم (2605).

و من المعلوم وجوب الحضور لصلاة الجمعة و الجماعة , فإذا ثبت في الشرع أنه لا حرج على من لم يحضر في المطر. كان ذلك حكما جديدا لولاه بقي الحكم السابق على ما كان عليه من العموم و الشمول.

فكذلك نقول: لما كان من المعلوم أيضا وجوب أداء كل صلاة في وقتها المحدد شرعا بفعله صلى الله عليه وسلم , و إمامة جبريل عليه السلام إياه , و قوله: " الوقت بين هذين " , ثم ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين , لرفع الحرج عن أمته صلى الله عليه وسلم , كان ذلك دليلا واضحا على أن جمعه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت , كان جمعا حقيقيا , فحمله على الجمع الصوري و الحالة هذه تعطيل للحديث كما هو ظاهر للمنصف المتأمل , إذ إنه لا حرج في الجمع الصوري أصلا , و لذلك فلم يبالغ الإمام النووي رحمه الله حين قال في حمل الحديث على الجمع الصوري: " إنه باطل , لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل ".

و إن مما يؤكد ذلك أمران:

الأول: إن في حديث ابن عباس أن الجمع كان في غير خوف و لا مطر , ففيه إشارة قوية إلى أن جمعه صلى الله عليه وسلم في المطر كان معروفا لدى الحاضرين , فهل كان الجمع في المطر صوريا أيضا ?! اللهم لا. يخبرنا بذلك نافع مولى ابن عمر قال: كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطأوا بالمغرب , و عجلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق , فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى بذلك بأسا , قال عبيد الله (هو الراوي عن نافع): و رأيت القاسم و سالما يصليان معهم في مثل تلك الليلة. أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (2/ 234) بسند صحيح غاية.

قلت: فقوله: " قبل أن يغيب الشفق " صريح في أن جمعهم كان جمعا حقيقيا , لأن مغيب الشفق آخر وقت المغرب كما في حديث ابن عمرو عند مسلم (2/ 104 - 105) و غيره , و هو مخرج في " صحيح أبي داود " (425).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير