و الأمر الآخر: أن التعليل المتقدم برفع الحرج قد ثبت أيضا في الجمع في السفر من حديث معاذ: جمع رسول صلى الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر و العصر, و بين المغرب و العشاء. قال أبو الطفيل: فقلت: ما حمله على ذلك ? قال: فقال: أراد أن لا يحرج أمته. أخرجه مسلم , و ابن خزيمة (2/ 81 / 966) و غيرهما , و هو مخرج في " الإرواء " (3/ 31) و في رواية لأبي داود و غيره: أن الجمع كان تقديما تارة , و تأخيرا تارة. و هو مخرج في المصدر المذكور برقم (578) و ثبت نحوه من حديث أنس و غيره , و هو مخرج هناك (579).
قلت: و إذا عرفت ما تقدم تأكدت إن شاء الله أن الصحيح في الجمع المعلل برفع الحرج إنما هو الجمع الحقيقي , لأن الجمع الصوري في أصله لا حرج فيه مطلقا لا في السفر و لا في الحضر و لذلك كان من أدلة الجمهور على الحنفية الذين لا يجيزون الجمع الحقيقي في السفر أيضا أنه ثبت فيه جمع التقديم أيضا , و هو يبطل تأويلهم الجمع بالجمع الصوري كما ثبت في بعض الأحاديث المشار إليها آنفا جمع التأخير بلفظ صريح يبطل أيضا تأويلهم , كحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر , فيجمع بينهما , و يؤخر المغرب حتى يجمع بينها و بين العشاء حين يغيب الشفق. متفق عليه.
و بهذه المناسبة أقول: يبدو لي من تعليل الجمع في حديث ابن عباس برفع الحرج - أنه إنما يجوز الجمع حيث كان الحرج , و إلا فلا , و هذا يختلف باختلاف الأفراد و ظروفهم , و لعل القائلين بجوازه مطلقا من السلف أشاروا إلى ما ذكرته حين اشترطوا أن لا يتخذ ذلك عادة كما تفعل الشيعة. و لا أتصور ذلك إلا لمن كان حريصا على أداء الصلوات في أوقاتها الخمسة , و في المساجد مع الجماعة. و الله سبحانه و تعالى أعلم.
صلاة المودع
2839 - (اذكر الموت في صلاتك , فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته , و صل صلاة رجل لا يظن أن يصلي صلاة غيرها , و إياك و كل أمر يعتذر منه).
(تنبيه): لقد اعتاد بعض الأئمة أن يأمروا المصلين عند اصطفافهم للصلاة ببعض ما جاء في هذا الحديث كقوله: " صلوا صلاة مودع " , فأرى أنه لا بأس في ذلك أحيانا , و أما اتخاذه عادة فمحدثة و بدعة.
سنية رد المصلي السلام ايشارة ونسخه لفظا
2917 - (إنا كنا نرد السلام في صلاتنا , فنهينا عن ذلك).
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1/ 263) و البزار في " مسنده " (1/ 268 / 554 - كشف الأستار) و الطبراني في " المعجم الأوسط " (2/ 246 / 1/ 8795) من طرق عن عبد الله بن صالح: حدثني الليث حدثني محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: أن رجلا سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو في الصلاة , فرد النبي صلى الله عليه وسلم بإشارة , فلما سلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.
من فقه الحديث: و في الحديث دلالة صريحة على أن رد السلام من المصلي لفظا كان مشروعا في أول الإسلام في مكة , ثم نسخ إلى رده بالإشارة في المدينة. و إذا كان ذلك كذلك , ففيه استحباب إلقاء السلام على المصلي , لإقراره صلى الله عليه وسلم ابن مسعود على " إلقائه " , كما أقر على ذلك غيره ممن كانوا يسلمون عليه و هو يصلي , و في ذلك أحاديث كثيرة معروفة من طرق مختلفة , و هي مخرجة في غير ما موضع.
و على ذلك فعلى أنصار السنة التمسك بها , و التلطف في تبليغها و تطبيقها , فإن الناس أعداء لما جهلوا , و لاسيما أهل الأهواء و البدع منهم.
كتاب الزكاة
صدقت الولد عن الوالد
2779 - (احبس عليك مالك. قاله لمن أراد أن يتصدق بحلي أمه و لم توصه).
أخرجه الطبراني (17/ 281 / 773) من طريقين عن وهب بن جرير: حدثني أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي توفيت و تركت حليا و لم توص , فهل ينفعها إن تصدقت عنها ? فقال: فذكره.
من فقه الحديث:
و اعلم أن ظاهر الحديث يدل أنه ليس للولد أن يتصدق عن أمه إذا لم توص.
¥