كتاب الجنة والنار
مافي الدنيا من أنهار الجنة
110 - (سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ).
رواه مسلم , وأحمد , وأبوبكر الأبهري , والخطيب من طريق حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً.
وله طريق أخرى بلفظ:
111 - (فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ الْجَنَّةِ الْفُرَاتُ وَالنِّيلُ وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ).
وله شاهد من حديث أنس بن نالك مرفوعاً بلفظ:
112 - (رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ وَوَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ يَخْرُجُ مِنْ سَاقِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَانِ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ).
لعل المراد من كون هذه الأنهار من الجنة أن أصلها منها , كما أن أصل الإنسان من الجنة , ويدل على ذلك لفظ الحديث المتقدم-111 - : (فُجِّرَتْ .... ) , فلا ينافي الحديث ما هو معلوم مشاهد من أن هذه الأنهار تنبع من منابعها المعروفة في الأرض , فإن لم يكن هذا هو المعنى أو ما يشبهه , فالحديث من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها والتسليم للمخبر عنها , (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء65.
الشمس والقمر في النار يوم القيامة
124 - (الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة).
وليس المراد من الحديث ما تبادر إلى ذهن الحسن البصري: أن الشمس والقمر في النار يعذبان فيها عقوبة لهما , كلا , فإن الله عز وجل لا يعذب من أطاعه من خلقه , ومن ذلك الشمس والقمر , كما يشير إليه قول الله تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) الحج 18 , فأخبر تعالى أن عذابه إنما يحق على غير من كان يسجد له تعالى في الدنيا , كما قال الطحاوي , وعليه , فإلقاؤهما في النار يحتمل أمرين:
الأول: أنهما من وقود النار.
قال الإسماعيلي: (لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما , فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها , لتكون لأهل النار عذاباً , وآلة من آلات العذاب , وما شاء الله من ذلك , فلا تكون هي معذبة).
والثاني: أنهما يلقيان فيها تبكيتاً لعبادهما.
قال الخطابي: (ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك , ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا , ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلاً).
قلت: وهذا هو الأقرب إلى لفظ الحديث , ويؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى – كما في الفتح -: (ليراهما من عبدهما) , ولم أرها في مسنده , والله تعالى أعلم.
تمني الكافر الفداء من النار
172 - (يقول الله لأهون أهل النار عذابا [يوم القيامة]: [يا ابن آدم! كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شر مضجع. فيقال له:] لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا بها؟ فيقول: نعم. فيقول: [كذبت] قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب [وفي رواية: في ظهر] آدم: أن لا تشرك [بي شيئا]، [ولا أدخلك النار]، فأبيت إلا الشرك. فيؤمر به إلى النار).
قوله: فيقول: كذبت , قال النووي (معناه: لو رددناك إلى الدنيا , لما افتديت , لأنك سئلت أيسر من ذلك فأبيت , فيكون من معنى قوله تعالى: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).الأنعام 28.وبهذا يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله سبحانه وتعالى: (لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) , الرعد 18.
قوله: قد أردت منك , أي أحببت منك.
¥