والإرادة في الشرع تطلق ويراد بها ما يعم الخير والشر والهدى والضلال و كما في قوله تعالى (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) الأنعام125 , وهذه الإرادة لا تتخلف.
وتطلق أحياناً ويراد بها ما يرادف الحب والرضى , كما في قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة185.
وهذا المعنى هو المراد من قوله تعالى في هذا الحديث: (أردت منك) , أي أحببت.
والإرادة بهذا المعنى قد تتخلف , لأن الله تبارك وتعالى لا يجبر أحداً على طاعته , وإن كان خلقهم من أجلها (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف29 , وعليه فقد يريد الله تبارك وتعالى من عبده ما لا يحبه منه , ويحب منه مالا يريده.
وهذه الإرادة يسميها ابن القيم رحمه الله تعالى بالإرادة الكونية , أخذاً من قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس82 , ويسمي الإرادة الأخرى المرادفة للرضى بالإرادة الشرعية.
وهذا التقسيم من فهمه , انحلت له كثير من مشكلات مسألة القضاء والقدر , ونجا من فتنة القول بالجبر او الأعتزال , وتفصيل ذلك في الكتاب الجليل شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم رحمه الله تعالى.
وقوله: وأنت في صلب آدم , قال القاضي عياض: (يشير بذلك إلى قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) , فهذا الميثاق الذي أخذه عليهم في صلب آدم , فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا, فهو مؤمن , ومن لم يوف به فهو كافر , فمراد الحديث: اردت منك حين أخذت الميثاق , فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك) ذكره في الفتح.
أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ
959 - (أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا: الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْلُ).
أخرجه ابوداود (4278)، والحاكم (4/ 444)، وأحمد (4/ 410و418) من طريق المسعودي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم:
((صحيح الإسناد)) ووفقه الذهبي وقال الحافظ ابن حجر في ((بذل الماعون)) (54/ 2):
((سنده حسن)).
كذا قالوا، والمسعودي كان اختلط.
ولكن الحديث صحيح؛ فقد أخرجه أحمد (3/ 408)، والبخاري في ((التاريخ الكبير)) (1/ 1/38 - 39)، والطبراني في ((المعجم الصغير)) (ص3)، والقاضي الخولاني في ((تاريخ داريا)) (ص82 - 38)،وأبوبكر الكلاباذي في ((مفتاح المعاني)) (154/ 1)،و الواحدي في ((الوسيط)) (1/ 128/1) من طرق أخرى كثيرة عن أبي بردة به نحو، فهو إسناد صحيح جداً.
ولأبي بردة فيه إسناد آخر؛ فقال محمد بن فضيل بن غزوان: ثنا صدقة بن المثنى: ثنا رياح عن أبي بردة قال:
((بينما أنا واقف في السوق في إمارة زياد إذ ضربت بإحدى يدي على الأخرى تعجبا، فقال رجل من الأنصار -قد كانت لوالده صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم-:مما تعجب يا أبا بردة؟ قلت: أعجب من قوم دينهم واحد، ونبيهم واحد، ودعوتهم واحدة، وحجهم واحد، وغزوهم واحد، يستحل بعضهم قتل بعض قال: فلا تعجب فإني سمعت والدي أخبرني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
أخرجه البخاري في ((التاريخ))، والحاكم (4/ 353 - 354) والسياق له، وقال:
((صحيح الإسناد))،ووافقه الذهبي.
قلت: هو كما قالا لولا الرجل الأنصاري الذي لم يسم.
ثم أخرجه الحاكم (1/ 49و4/ 254)، وكذا الطحاوي في ((المشكل)) (1/ 105)، والخطيب في ((التاريخ)) (4/ 205) من طريق أبي حصين عن أبي بردة عن عبدا لله بن يزيد مرفوعاً بلفظ:
((جعل عذاب هذه الأمة في دنياها)).
قال الحاكم:
((صحيح على شرط الشيخين))، ووافقه الذهبي، وإنما هو على شرط البخاري وحده؛ فإن أبا بكر بن عياش لم يخرج له مسلم.
وتابعه الحسن بن الحكم النخعي عن أبي بردة به دون الزيادة.
أخرجه الحاكم (1/ 50)، وله متابعون آخرون في ((التاريخ الكبير)) و ((الصغير)) (ص118 - هند).
¥