4 - أنه لا يشبه الناسي؛ إذ كان بإمكانه التحرز بأن يمسك إلى أن يعلم، فأصبح مفطراً بفعله ولم يسقط عنه القضاء.
قال ابن القيم في "تهذيب السنن": (ولو قد تعارض الآثار عن عمر لكان القياس يقتضي سقوط القضاء؛ لأن الجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم، ولو أكل ناسياً لصومه لم يجب عليه قضاؤه، والشريعة لم تفرق بين الجاهل والناسي؛ فإن كل واحد منهما فعل ما يعتقد جوازه وأخطأ في فعله، فهذا أطعمه الله وسقاه بالنسيان، وهذا أطعمه الله وسقاه بإخفاء النهار).
قلت: هذا القياس على الناسي هو قياس مع الفارق كما بينا؛ فمسألتنا ليست في جاهلٍ بالحكم، بل جاهلٍ بالزمن قادر على التحرز.
5 - أن ما استدل به المسقطون للقضاء من عمومات دالة على نفي الإثم والمؤاخذة .. كقول الله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، وحديث: (رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان) لا تنهض للدلالة على إسقاط القضاء.
ولا شك أن المخطئ تلحقه غرامات المتلفات وتلزمه الكفارات في الشرع، فقاتل الخطأ تلزمه الكفارة مثلاً ..
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في "جامع العلوم والحِكَم":
(الخطأ: هو أن يقصد بفعله شيئاً، فيصادف فعله غير ما قصده، مثل أن يقصد قتل كافر فيصادف قتله مسلماً.
والنسيان: أن يكون ذاكراً لشيء، فينساه عند الفعل.
وكلاهما معفو عنه، يعني: أنه لا إثم فيه، ولكن رفع الإثم لا ينافي أن يترتب على نسيانه حكم، كما أن من نسي الوضوء ولو ظاناً أنه متطهر، فلا إثم عليه بذلك، ثم إن تبين له أنه كان قد صلى محدِثاً فإن عليه الإعادة .. )
إلى أن قال: (ولو ترك الصلاة ناسياً ثم ذكر فإن عليه القضاء)
وذكر فروعاً في النسيان حصل الخلاف في لزوم الحكم فيها، ومنها:
ترك التسمية على الوضوء نسياناً لو قلنا بوجوبها،
وترك التسمية على الذبيحة نسياناً،
ولو صلى حاملاً نجاسة لا يعفى عنها ناسياً ثم علم بها هل تلزمه الإعادة؟،
ولو أكل في صيامه ناسياً أو جامع ناسياً هل يبطل صيامه؟،
ولو حلف لا يفعل شيئاً ثم فعله ناسياً هل يحنث؟،
إلى أن قال: (ولو قتل مؤمناً خطأً فإن عليه الكفارة والدية بنص الكتاب، وكذا لو أتلف مال غيره خطأ يظنه أنهمال نفسه)
ثم قال: (والأظهر -والله أعلم- أن الناسي والمخطئ إنما عفي عنهما بمعنى رفع الإثم عنهما؛ لأن الإثم مرتب على المقاصد والنيات، والناسي والمخطئ لا قصد لهما فلا إثم عليهما. وأما رفع الأحكام عنهما فليس مراداً من هذه النصوص فيحتاج في ثبوتها ونفيها إلى دليل آخر).
6 - لهذه المسألة نظائر جاء بها الشرع؛ فلو اجتهد فصلى المغرب، فبان أن الشمس لم تغرب لزمته الإعادة، فكذلك هنا، بعلة أنها عبادة على البدن مؤقتة بزمان يصل إليه يقيناً، والشرع لا يفرق بين متماثلين.
وأما ما استدل به القائلون بعدم لزوم القضاء من حديث فرض عاشوراء؛ فيجاب عنه بأحد وجهين:
الأول: أنه لا دليل فيه على أن لا قضاء .. بل غاية ما فيه الإمساك بقية اليوم.
الثاني: أن صوم عاشوراء لم يفرَض إلا في ذلك الوقت من النهار، وفرقٌ بين ما فُرِض في الوقت وبين ما كان مفروضاً من قبل؛ إذ الذمة لم تشغَل بشيء بعد، وفطرهم إنما كان قبل الوجوب، فلا قضاء.
فالأول لا يلزم القضاء لأن ما قبل الأمر لا مطالبة به ولا تشتغل به الذمة، وهو في الحكم كحال الكافر إذا أسلم والصغير إذا بلغ في نهار يوم من رمضان على الراجح. انظر: بيان مشكل الآثار للطحاوي.
7 - أن هذا دَين وحق لله تعالى، والأصل فيه أن يُقضَى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فدَينُ الله أحق أن يقضَى)
*تنبيه:
مسألة: من أكل شاكاً في طلوع الفجر فلا شيء عليه، ومن أكل شاكاً في غروب الشمس فسد صومه؛ لأن الأصل بقاء النهار فلا يجوز له أن يأكل حتى يتيقن غروبها أو يغلب على ظنه، والفرق بين هذه والتي قبلها: أن هذه قد دام الشك فيها، ولم يتبين له الحال بعد ذلك، على أن فيها خلافاً بين أهل العلم. والله أعلم.
ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[15 - 08 - 10, 03:53 ص]ـ
مكرر
مكرر
ـ[محمد العوض]ــــــــ[15 - 08 - 10, 04:04 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذه الفوائد الطيبة
بالنسبة لحديث لقيط في اول مشاركة ذكرت او نقلت انه في مسلم و ليس كذلك بل هو عند اصحاب السنن
و الله اعلم
ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[15 - 08 - 10, 04:22 ص]ـ
نقلت مشاركة المفيدة من الموضع المحال إليه إلى هنا حتى نناقشك ونستفيد منك
أبدأ ..
- أما الدليل الأول سلمك الله وهو حديث أسماء فغاية ما فيه أنه نقل عن الصحابة بأكل في يوم شك وما قاله هشام رحمه الله هو اجتهاد منه كما قال ابن خزيمة ويؤيد هذا ما قال شيخ الإسلام رحمه الله (تقل عن هشام عن أبيه عروة أنهم لم يؤمروا بالقضاء وعروة أعلم من ابنه) حقيقة الصيام
فإن قلت أن حديث أسماء ليس فيه أمر ولا عدمه كما نقلت عن ابن حجر
قلنا الأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل فالأصل صحة العبادة وليس فساده وقد قرر هذا ابن عثيمين رحمه الله في الممتع
- القياس على ثبوت الشهر في أثناء النهار إذا غم في نظري أن القياس لا يستقيم وذلك أن العلم بكون اليوم من رمضان الموجب للقضاء هو بعد انقضاء اليوم لا في أثناء فإن ثبت في أثناء اليوم وجب الإمساك من حيث علم لأن النية تابع للعلم وعلى هذا نحن أسعد بالقياس:) وشيخ الإسلام ومن قال قبله بقوله لا يقولون أنه يستمر بالأكل والشرب بعد تبين عدم غروب الشمس فعلم الفرق بين هذا وبين يوم الغيم إذ عرف أنه من رمضان بعد فوات محله فالنية تتبع العلم ولما كان العلم بعد زمن العبادة وجب القضاء وهنا لما علم أوجبنا عليه الإمساك والإتمام
- أما كونه ليس بناسي فهذا لا يلزمه أن يؤمر بأن يمسك حتى يتيقن لأن الفطر بالظن والتقدير جائز ولذلك يصححون عبادته في المذهب لو أنه أكل شاكاً ولم يتيقن خطأه وإنما يلزمون من تيقن أنه أخطأ بالقضاء وعليه يجوز له أن يفطر إن غلب على ظنه أن الشمس غابت ولا يؤمر باليقين لاستحباب تعجيل الفطر
المناقشة لأستفيد منك أيها الكريم
¥