تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بانتهاجه مسلك من يحيل عل السند، وهو يذكر الأحاديث بأسانيدها، ورد الشيخ ناصر هذه الفكرة بقوة، كما أشار إلى حَلِف الشيخ أحمد على أن مراد الله من الآيات النازلة في المنافقين في أوائل سورة البقرة هم الوطَنيُون العصريون، فلم أدر ما أقول – إلا أنني قلت له بأنه مسبوق ببعض هذا من يوسف النبهاني، وسأل الشيخ ناصر عن زعم الشيخ أحمد بأن جمال عبد الناصر وأصحابه هم المبشر بهم في الحديث «لا تزال طائفة من أمتي ... » وأن الزعيم المغربي فلان هو المعني بحديث «وكان زعيم القوم أرذَلَهم» فكان جوابي أن ذلك كان من الشيخ رد جميل، لأن الثورة المصرية آوته وحمتْه بعد لجوئه إليها من المغرب، فقال الشيخ ناصر: كيف يكون رد الجميل بالكذب والتحريف في الحديث النبوي؟ ولطول العهد نسيت مسائل أخرى تتعلق ببعض أقوال الشيخ الغماري.

وبعد سنوات كثيرة زارنا الشيخ ناصر بتطوان وطنجة مرتين، أملى في إحداهما ترجمة موسعة نُشر ملخصها في جريدة " النور" التي تصدر بتطوان، وأطلعتُه على بعض النوادر بخزانة تطوان، وكنت يومئذ مسئولا عن قسم المخطوطات والوثائق بها، وصورتُ له بعض الرسائل، وفي الزيارة الثانية – كان معه إخوة من مراكش- وهي المرة التي زار فيها طنجة، وناظر الشيخ محمد الزمزمي ابن الصديق الغماري في توحيد الأسماء والصفات، سألني عما يقال من وجود صحيح ابن حبان بتطوان، فأجبتُه بالنفي، وأخبرته بوجود النصف الأول من نسخة دمشقية عتيقة من السنن الكبرى للنسائي، فرغب في الاطلاع عليها، فذهبنا معا لخزانة الجامع الكبير، وَوَقف على النسخة، وهي بخط شرقي جميل نسخت في القرن السادس، وأمرني أن أقرأ عليه أبوابا منها في العبادات، ففعلتُ مسرورا، وعلق بخطه في دفتر الأسانيد.

وبعد سنوات من هذه الزيارة اعتمرت عام 1404هـ، وفي رجوعي عرجت على دمشق واتصلت بولده الأخ عبد اللطيف، وسألته عن أبيه، فأخبرني أنه خرج من دمشق فاراً بدينه، وأنه استقر الآن بعَمان عاصمة الأردُن، ودلني على عنوانه، فذهبت إليه، واهتديت لمنزله الجديد الذي شارك في بنيانه بنفسه، فرحَّب بي وأخبرني أنه قدم يومه من الإمارات، وأنه أُجريت له عملية جراحية، وأنه متعَب، ولولا معرفته بي، ورغبتُه في الاجتماع ما سَمح به، ولأنه مُراقَب، فجالستُه – رحمه الله- ساعةً أعُدها من أبرك ساعات العُمر، وأهداني الجزء الرابع من السلسلة الصحيحة، وكان حديثَ الصدور وفي تجليد فاخر خاص بالمؤلف للإهداء بخطه، فاستأذنتُه في الرواية مناولة، فقال: وما معنى الإهداء لأهل العلم إلا ذلك، ونزل بي من منزله بأعلا جبل الهملان إلى المسجدالحسيني بسيارته التي انطلق بها في سرعة بالغة، ( ... )،وكان الشيخ – رحمه الله – قبل هذا ولا بعده منذ أن توطدت الصلةُ بيننا لا يفتأ يهاديني، فأرسل إلي مع الحُجاج والمعتمرين عدداً من رسائله.

وأذكر من شواهد ورع الشيخ وتوفقه: أنه في الزيارة الأولى لتطوان، مرَرْنا على حي تجاري، وفيه دكان لبيع الطيوب، والعطور، فوقف على بعض أنواعها التي تُقَطَّر بالمغرب وأعجب به، وسأل عن ثمنها، وخرجنا ثم جلسنا في دكان، فلحقنا بعض من كان معنا ممن حضر وقوف الشيخ على العطور، وناوَل الشيخ قارورة من ذلك العطر الذي أعجبه، فأبى أن يأخذه، فرغب الرجل إليه أن يعتبره هدية، فأبى، وكان بلغني أن بعض دجاجلة طنجة، زار دمشق مع مُريديه، وفي نيته أت يرزأ الشيخ بعض ماله، فذهب إلى منزل الشيخ، وأمر مريديه أن يخلعوا " السُّبَح" من أعناقهم، لأن الشيخ " وهَّابي" لا يقبل هذا، ففعلوا وذخلوا على الشيخ وتذاكروا ونافَقوه بالتقية، ثم طلب منه شيخُهم الدجال " القرمطي " أن يُسلفه نحو أربعمائة ليرة دينا مردودا، لأنهم نفذت نفقتهم، فأسلفهم الشيخ وزار المغرب مرتين، ولم يأته الدجال حتى للسلام عليه والاعتذار، بل أضرب عن الزيارة والسؤال، فلذلك سألت الشيخ بتطوان: هل زاركم فلان بطنجة؟ ورد عليك مالَك الذي أسلفتَه؟ فأجاب بالنفي، وأنه لم يسأل عنه وهو بطنجة حتى لا يحرجه، فأنظر إلى أخلاق هذا الوهابي " كما تلمزونه، وأخلاق هذا "القطب " الصوفي كما يدعي!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير