وما ذكره أبو القاسم في رسالته من اعتقادهم وأخلاقهم وطريقتهم، فيه من الخير والحق والدين أشياء كثيرة، ولكن فيه نقص عن طريقة أكثر أولياء الله الكاملين، وهم نقاوة القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم، ولم يذكر في كتابه أئمة المشايخ من القرون الثلاثة، ومع ما في كتابه من الفوائد في المقولات والمنقولات، ففيه أحاديث وأحاديث ضعيفة، بل باطلة، وفيه كلمات مجملة تحتمل الحق والباطل رواية ورأيا، وفيه كلمات باطلة في الرأي والرواية، وقد جعل الله لكل شئ قدراً.
وقال تعالى: {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً} [سورة النساء 135].
فكتبت من تمييز ذلك ما يسره الله، واجتهدت في اتباع سبيل الأمة الوسط، الذين هم شهداء على الناس دون سبيل من قد يرفعه فوق قدره في اعتقاده وتصوفه، على الطريقة التي هي أكمل وأصح مما ذكره علماً وحالاً، وقولاً وعملاً، واعتقاداً واقتصاداً، أو يحطه دون قدره فيهما ممن يسرف في ذم أهل الكلام، أو يذم طريقة التصوف مطلقا، والله أعلم.
والذي ذكره أبو القاسم فيه الحسن الجميل، الذي يجب اعتقاده واعتماده، وفيه المجمل الذي يأخذ المحق والمبطل، وهذان قريبان، وفيه منقولات ضعيفة، ونقول عمن لا يقتدي بهم في ذلك، فهذان مردودان، وفيه كلام حمله على معنى، وصاحبه لم يقصد نفس ما أراده هو، ثم إنه لم يذكر عنهم إلا كلمات قليلة لا تشفى في هذا الباب، وعنهم في هذا الباب من الصحيح الصريح الكبير ما هو شفاء للمقتدى بهم، الطالب لمعرفة أصولهم، وقد كتبت هنا نكتاً يعرف بها الحال.
اهـ (1/ 60)
(((جديد الفوائد من كلام الشيخ)))
1 - ظهور إنصاف الشيخ في مجمل منهجه النقدي العملي.
2 - بيان نصح الشيخ، وعمله على إيضاح الحق.
وجماعُ الأمرينِ في قوله (واجتهدت في اتباع سبيل الأمة الوسط، الذين هم شهداء على الناس دون سبيل من قد يرفعه فوق قدره .... أو يحطه دون قدره ... )
وللموضوع بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ
ـ[حسن عبد الحي]ــــــــ[12 - 01 - 07, 02:16 ص]ـ
(((ذهبية)))
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ:
والصوفية يوجد فيهم المصيب و المخطئ، كما يوجد في غيرهم و ليسوا في ذلك بأجل من الصحابة و التابعين، و ليس أحد معصوماً في كل ما يقوله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نعم وقوع الغلط في مثل هذا يوجب ما نقوله دائما: إن المجتهد في مثل هذا من المؤمنين إن استفرغ وسعه في طلب الحق فإن الله يغفر له خطأه، وإن حصل منه نوع تقصير فهو ذنب لا يجب أن يبلغ الكفر، وإن كان يطلق القول بأن هذا الكلام كفر، كما أطلق السلف الكفر على من قال ببعض مقالات الجهمية، مثل القول بخلق القرآن، أو إنكار الرؤية، أو نحو ذلك مما هو دون إنكار علو الله على الخلق، وأنه فوق العرش، فإن تكفير صاحب هذه المقالة كان عندهم من أظهر الأمور، فإن التكفير المطلق مثل الوعيد المطلق، لا يستلزم تكفير الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة التي تكفِّر تاركها.
كما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي قال: " إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله على ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فقال الله له: ما حملك على ما فعلتَ؟ قال: خشيتك، فغفر له.
فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنه لا يبعثه.
وكل من هذين الاعتقادين كفر يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته.
فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل، فيغفر الله خطأه، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص ـ علم إيمانه ـ بمجرد الغلط في ذلك فعظيم.
فقد ثبت في الصحيح عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بالكفر فهو كقتله)
وثبت في الصحيح أن من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما، وإذا كان تكفير المعين على سبيل الشتم كقتله، فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد؟ فإن ذلك أعظم من قتله، إذ كل كافر يباح قتله، وليس كل من أبيح قتله يكون كافراً، فقد يقتل الداعي إلى بدعة لإضلاله الناس وإفساده، مع إمكان أن الله يغفر له في الآخرة، لما معه من الإيمان، فإنه قد تواترت النصوص بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
اهـ (1/ 96، 97)
(((جديد الفوائد من هذا النقل)))
1 - أن الإنسان إذا حصل منه نوع تقصير وتفريط في بلوغ الحق: فهو ذنب، لا يجب أن يبلغ الكفر، وإن كان يطلق القول بأن هذا الكلام كفر.
2 - ثبوت العذر بالجهل، والتفريق بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل.
3 - تفاوت الحكم على المتأول والآخر، وهذا يؤخذ من استثناء الشيخ القول بإنكار علو الله من المعذورين باجتهادهم.
4 - عظم الإقدام على تكفير المعين.
وللموضوع بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ
¥