تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجوابه أن يُقال:هذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعداً بسبِّ عليّ، ولكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب عليّ، فأجابه سعد عن السبب، ولم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه ولا عاقبه، وسكوت معاوية هو تصويب لرأي سعد، ولو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب عليّ كما يدّعي الشيعة ومن تابعهم، لما سكت على سعد ولأجبره على سبّه، ولكن لم يحدث من ذلك شيءٌ، فعُلم أنه لم يؤمر بسبّه ولا رضي بذلك.

قال النووي شارحًا هذا الحديث: " قول معاوية هذا، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول: هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك. فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك، فله جواب آخر، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبّون، فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم، فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتُظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ " [21].

وقال القرطبي معلقاً على وصف ضرار الصُّدَائي لعلي رضي الله عنه وثنائه عليه بحضور معاوية، وبكاء معاوية من ذلك، وتصديقه لضرار فيما قال: "وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي رضي الله عنه ومنزلته، وعظيم حقه، ومكانته، وعند ذلك يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبّه، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين، والحلم وكرم الأخلاق، وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن، وعرف الحق لمستحقه" [22].

الثاني: حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال: استُعمل على المدينة رجلٌ من آل مروان، قال: فدعا سهلَ بن سعد فأمره أن يشتم عليًّا، قال: فأبى سهل، فقال له: أما إذا أبيت فقل: لعن الله أبا تراب، فقال سهل: ماكان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح إذا دعي بها " [23].

فيقال عنه: ُيطالب الشنقيطي بإثبات أن الرجل الذي دعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً هو معاوية! ولفظ الأثر: "رجل من آل مروان"، وليس فيه ذكرٌ لمعاوية؛ فلا يليق بمسلم أن يلومه بجريرة غيره؛ كما قيل:

غيري جنى وأنا المعذب فيكمُ ... فكأنني سبابة المتندم!

الثالث: أثر عبدالرحمن بن الأخنس أن المغيرة بن شعبة خطب فنال من علي، فقام سعيد بن زيد فقال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأبوبكر في الجنة، وعمر في الجنة ... الحديث" [24]

ولا أدري ما علاقة هذا بمعاوية – رضي الله عنه -؟!

وكما قلتُ في الأثر السابق: لاينبغي لمسلم أن يؤاخذه بصنيع غيره، وإلا كان من الظالمين. وقد عُلم – أيضًا– أن السب واللعن ليس بأعظم من القتال الذي جرى، وقد وقع من الطرفين – رضي الله عن الجميع -، فمثل هذا يطوى ولا يروى، أو يُتخذ دينًا أو شماعة للطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع الإقرار بأنهم بشر ليسوا بمعصومين، يعتريهم ما يعتري البشر.

وأما القسم الثاني: فحكايات وأخبار يتناقلها المؤرخون وأهل الأدب دون خطام ولا زمام. ومعلوم أن هؤلاء "حطبة ليل" كما بين العلماء، فكم في كتبهم ومصنفاتهم من أباطيل ومفتريات لا تقوم على ساق عند النقد العلمي. يقول الشيخ محمود الألوسي –رحمه الله-: " إن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب، ولا يميزون بين الصحيح والموضوع والضعيف، وأكثرهم حاطب ليل، لا يدري ما يجمع " [25].

فممن نقلوا هذه الأكذوبة الشيعية في مصنفاتهم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير