-الطبري في تاريخه [26] من طريق أبي مخنف "الشيعي الساقط" عند ذكر قصة التحكيم المكذوبة: قال " .. وكان –أي علياً- إذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللهم العن معاوية وعمراً وأبا الأعور السلمي وحبيباً وعبدالرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد. فبلغ ذلك معاوية، فكان إذا قنت لعن علياً وابن عباس والأشتر وحسناً وحسيناً"! وهذه الراوية باطلة؛ لأنها من رواية الشيعي المحترق أبي مخنف لوط بن يحيى [27] ولذا قال ابن كثير بعد ذكرها في "البداية والنهاية" [28]: "ولا يصح هذا".
ومعلومٌ قول الطبري في مقدمة تاريخه: " فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهًا في الصحة، ولامعنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قِبلنا، وإنما أتي من قِبل بعض ناقليه إلينا، وأنّا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا ".
وأيضًا: يلزم من يحتج بهذه الحكاية الباطلة على ذم معاوية - رضي الله عنه - أن يقول مثل ذلك في علي - رضي الله عنه - لأنه هو البادئ باللعن والسب! والله يقول) ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (، فإن اعتذر لعلي فليعتذر لمعاوية.
وأما أهل السنة –ولله الحمد- فيشهدون ببطلان هذه القصة، ويترضون عن الجميع.
وعن الطبري تداول هذه الحكاية بعض المؤرخين الذين صرحوا في مقدمات كتبهم اعتمادهم عليه؛ كالمسعودي [29]، وابن الأثير [30].
ثم تفنن من بعدهم من مؤرخي الشيعة وغيرهم من الفرق الضالة أعداء الصحابة؛ كالمعتزلة والخوارج في حبك هذه الأكذوبة والزيادة عليها، وأنها استمرت يُعمل بها عشرات السنين على منابر المسلمين!! دون أن ينكرها أحد! إلى أن جاء عمر بن عبدالعزيز فأبطلها.
انظر على سبيل المثال: "مروج الذهب" للمسعودي (3/ 41 - 42)، و"شرح نهج البلاغة" للشيعي المعتزلي ابن أبي الحديد (1/ 778 - 790)، (5/ 752، 754، 759). و"الكامل" للمبرد (نقلاً عن شرح نهج البلاغة 1/ 778، ولم أجده في المطبوع من الكامل)، و"الرد على الإمامية" للجاحظ (نقلاً عن شرح نهج البلاغة 1/ 778 وما بعدها) و"الأحداث" للمدائني، و"العقد الفريد" لابن عبد ربه (انظر النصائح الكافية لابن عقيل، ص 96 - 98)، وغيرهم.
ثم تلقفها من هؤلاء: بعض المؤرخين والكتاب المعاصرين ممن لا يفرق بين الغث والسمين، أو كان ذا نوايا سيئة؛ كالدكتور حسن إبراهيم حسن في تاريخه (1/ 323)، والعقاد في كتابه عن معاوية (ص14)،والمودودي في " الخلافة والملك " (ص 112 - 113)، والتليدي في "فضائل الصحابة"! (ص159 - 160)، والحجوي في " الفكر السامي " (ص 54)، وعبدالله النفيسي! في كتابه " عندما يحكم الإسلام " (ص 111)، وحسن المالكي في كتابه "نحو إنقاذ! التاريخ الإسلامي" (ص20 وما بعدها) وحسن السقاف في تعليقه على "دفع شبه التشبيه"؛ لابن الجوزي (ص 236) والتيجاني في كتاب "ثم اهتديت!، (ص 106 - 107، 121، 169).
علماء وكتّاب ردوا هذه الفرية:
- قال الشيخ الألوسي – رحمه الله – في كتابه " صب العذاب على من سب الأصحاب " [31]: " وما يذكره المؤرخون من أن معاوية رضي الله تعالى عنه كان يقع في الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد وفاته ويظهر ما يظهر في حقه، ويتكلم بما يتكلم في شأنه مما لا ينبغي أن يعول عليه أو يلتفت إليه؛ لأن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب، ولا يميزون بين الصحيح والموضوع والضعيف، وأكثرهم حاطب ليل، لا يدري ما يجمع، فالاعتماد على مثل ذلك في مثل هذا المقام الخطر والطريق الوعر والمَهمَه الذي تضل فيه القطا ويقصر دونه الخطا، مما لا يليق بشأن عاقل، فضلا عن فاضل ".
- وقال الشيخ محمد العربي التباني في "تحذير العبقري من محاضرات الخضري" [32] راداً هذه التهمة: "أقول: لم يثبت عن معاوية رضي الله عنه أنه سب علياً أو لعنه مرة واحدة فضلاً عن الاهتمام به والتشهير به على المنابر، وقد تقدم ثناؤه وترحمه عليه في أثر ضمرة بن حمزة الكناني وغيره، فكلامه – أي الخضري - هذا باطل لا أصل له عنه رضي الله عنه ".
وقال: "إن الصحابة بشر يصدر منهم في حالة الغضب في حق بعضهم بعضاً ما يصدر من غيرهم" [33].
- الدكتور عبدالعزيز محمد نور ولي في رسالته "أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري" [34].
¥