تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان خرج مع آل مروان حيث أخرجوا من المدينة». قلت: نستنتج من هذا أن أبا قلابة كان يحدث بهذا الحديث مرسلاً فقط. فلما سأله خالد عمّن حدثه بهذا الحديث، أخبره بأنه محمد بن أبي عائشة، ولم يخبره ممن سمع ذلك محمد. فقدّر ذلك أنه سمعه من صحابي فروى ذلك على تلك الهيئة، وأبهم الصحابي لأنه تقدير فحسب. ولو صحت تلك الرواية لأخرجها البخاري في صحيحه، أو على الأقل علقها بصيغة الجزم. وهو الحريص على نصرة مذهبه في القراءة خلف الإمام، والرد على الأحناف. كيف لا وقد كتب كتاباً كاملاً عن هذا الموضوع؟ على أنه يمكن القول أن البخاري علم أن الرواية ليس فيها دلالة على القراءة خلف الإمام (كما أوضح ابن عبد البر) فتركها. وقد اختلف فيه عن خالد أيضاً فرواه بعض الرواة عنه مرسلاً مثل أيوب (راجع رواية هشيم عند ابن أبي شيبة)، ورجح هذا الدارقطني في المجلد الرابع (37 - أ) قال والمرسل أصح.

قال ابن عبد البر: «وأما حديث محمد بن عائشة، فإنما فيه إلا أن يقرأ أحدكم بأم القرآن في نفسه. ومعلوم أن القراءة في النفس ما لم يحرك بها اللسان، فليست بقراءة. وإنما هي حديث النفس بالذكر. وحديث النفس متجاوز عنه، لأنه ليس بعمل يؤاخذ عليه فيما نهى أن يعمله أو يؤدى عنه فرضا فيما أمر بعمله. وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي: إن كانت قراءة الإمام بغير أم القرآن قراءة لمن خلفه، فينبغي أن تكون أم القرآن كذلك. وإن كانت لا تكون قراءة لمن خلفه، فقد نقصَ من خلف الإمام عما سنّ من القراءة للمصلين، وحُرِمَ من ثواب القراءة بغير أم الكتاب، ما لا يعلم مبلغه إلا الله عز وجل». والاستثناء في قوله "لا تفعلوا إلا بأم القرآن" أقصى ما يفيد إباحة القراءة لا وجوبها لأنه استثناء من النهي لا أمرٌ بالفعل.

أخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت (ر) قال: صلى بنا رسول الله (ص) صلاة الغداة، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: «إني لأراكم تقرؤون وراء إمامكم»، قلنا: نعم والله يا رسول الله، إنا لنفعل هَذًّا، قال: «فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها». وقد اختلف في هذا الحديث خلافاً كبيراً:

1 - رواه محمد بن إسحاق (جيد) عن مكحول مرسلاً عن محمود بن الربيع (صحابي) عن عبادة بن الصامت به مرفوعاً. وهذا منقطع، ومراسيل مكحول ضعيفة.

2 - ورواه الوليد بن مسلم (من أحفظ الشاميين) عن مكحول عن محمود بن الربيع عن أبي نعيم عن عبادة بن الصامت به مرفوعاً. وهذا غلط كما بين الدارقطني والبيهقي.

3 - ورواه زيد بن واقد (من كبار أصحاب مكحول) عن مكحول وحرام بن حكيم عن نافع بن محمود بن الربيع (مجهول كما في التمهيد11

46) عن عبادة بن الصامت به مرفوعاً. نافع قال عنه الذهبي في ميزان الإعتدال (7

7): «لا يعرف بغير هذا الحديث. ولا هو في كتاب البخاري وابن أبي حاتم. ذكره ابن حبان في الثقات،، وقال: حديثه معلل». وذكر ابن حبان أنه في حديثه (الوحيد) قد خالف خبر أبيه. فكيف يكون ثقة؟ ولا يمكن معرفة أنه ثقة إلا بأمرين: إما من شخص عرفه شخصياً، وهو متعذر هنا. وإما بسبر أحاديثه. فليس له إلا حديث واحد قد أخطأ به!

4 - ورواه محمد بن الوليد الزبيدي (ثبت) والنعمان بن المنذر عن مكحول مرسلاً عن عبادة بن الصامت مرفوعاً. وهذا ظاهر الانقطاع.

5 - ورواه محمد بن راشد المكحولي عن مكحول به مقطوعاً عليه.

6 - ورواه رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت به موقوفاً عليه.

7 - وروى قوله: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» فقط: الزهريُّ عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت به مرفوعاً.

فالواضح أن مكحول قد اضطرب كثيراً في هذا الحديث ولم يحفظه، وليس هو ممن يقبل تعدد الأسانيد. وقد خالفه رجاء (وهو أحفظ منه باعترافه، وممن يروي باللفظ لا بالمعنى) فرواه موقوفاً على عبادة. كما خالفه جبل الحفظ الزهري فلم يذكر تلك القصة. واقتصر البخاري ومسلم على رواية الزهري، وليس فيها ذكرٌ لكون ذلك خلف الإمام. وبهذه العلل ضعفه عدد من المتقدمين مثل أحمد بن حنبل (في رواية الأثرم) والترمذي (في سننه) وابن معين (كما في إعلاء السنن 4

112) والطحاوي (كما في أحكام القرآن 1

251). قال الترمذي عقب إخراجه الحديث: «وروى هذا الحديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن النبي (ص) قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وهذا أصح». قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (23

286): «وهذا الحديث معلل عند أئمة الحديث بأمور كثيرة، ضعفه أحمد وغيره من الأئمة. وقد بسط الكلام على ضعفه في غير هذا الموضع، وبين أن الحديث الصحيح قول النبي (ص): "لا صلاة إلا بأم القرآن"، فهذا هو الذي أخرجاه في الصحيحين، ورواه الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة. وأما هذا الحديث فغلط فيه بعض الشاميين (يقصد مكحولاً)، وأصله أن عبادة كان يؤم ببيت المقدس، فقال هذا، فاشتبه عليهم المرفوع بالموقوف على عبادة».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير