تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

5 - الحديث لم يذكر فسخ العقد وردّ المبيع، وسكوت الرواة عن ذلك لا يدلّ على عدم الوقوع، فقد يكون ذهولاً أو اكتفاء بأنّ ذلك معلوم، ومع ذلك فقد ورد الفسخ في بعض الطرق من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد نحو هذه القصة وفيه: "هذا رِبَا فرُدُّوهُ ثمّ بِيعُوا تمرنا واشتروا لنا مِن هَذا" (13) قال ابن عبد البر: "القصة وقعت مرّتين: مرة لم يقع فيه الأمر بالردّ، وكان ذلك قبل العلم بتحريم الرّبا، ومرة وقع فيها الأمر بالردّ وذلك بعد تحريم الرّبا والعلم به، ويدلّ على التعدّد أنّ الذي تولّى ذلك في إحدى القصتين سواد بن غزية عامل خيبر وفي الأخرى بلال." (14).

6 - وفيه قيام عذر من لا يعلم التحريم حتّى يعلمه.

7 - وفيه أيضاً أنّ من اجتهد في الحكم فأخطأ فحكمه مردود، وقد بوّب له البخاري في الاعتصام: "إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلافاً للرسول من غير علم فحكمه مردود" (15)، وفي الوكالة: "باب إذا باع الوكيل شيئا فاسدا فبيعه مردود" (16).

8 - وفي قوله: "بيع آخر": يحتمل أن يكون المقصود منه أن يبيعه بيعا آخر، بمعنى أن يكون على صفة أخرى وتكون الباء زائدة، ويحتمل المقصود أن يبيعه بمبيع آخر ويراد به الثمن غير التمر. وهذا الاحتمال الأخير هو المتبادر إلى الذهن لترتيب الشراء عليه في قوله: "ثمّ اشتر به" (17).

9 - فيه تقبيح المعصية لمن يعلم بذلك مع تعليمها للغير حتى يتجنّبها.

10 - استُدِلّ بالحديث على جواز بيع التورّق (18)، وهي الرواية الأولى عن الإمام أحمد، خلافاً للرواية الأخرى القائلة بأنّ بيع التورّق مكروه، وهذا الحكم مرويّ عن ابن عبّاس وعمر بن عبد العزيز ونصره ابن تيمية (19).

والظاهر أنّ الرواية الأولى أقوى، لأنّ عموم النصوص تدلّ على الجواز، ولأنّه لا فرق في مقصود المشتري بين أن ينتفع بالسلعة من استهلاك أو استعمال أو تجارة وبين أن يشتريها لينتفع بثمنها، وليس فيه محذور شرعي قائم ولا تحيّل على الرّبا بوجه من الوجوه، لذلك وجب الرجوع إلى الأصل وهو الحلّ والإباحة الذي تقتضيه النصوص العامة والاعتبار (20).

11 - استُدِل بالحديث على أنّ بيع الرّبا جائز بأصله من حيث أنّه بيع، ممنوع بوصفه من حيث أنّه ربا، فيسقط الرّبا ويصحّ البيع، وهو قول أبي حنيفة، وتعقّبه القرطبي بقوله: لو كان على ما ذكر لما فسخ النّبيّ صلى الله عليه وسلم هذه الصفقة، ولأمره بردّ الزيادة على صاع ولصحّح الصفقة في مقابلة الصاع (21).

12 - فيه بيان لبعض جوانب أدب المفتي وأنّه إذا سئل في مسألة محرّمة منع المستفتي عنها، ونهاه عن اقترابها، وأرشده إلى الطرق التي تصرفه عنها (22).

13 - فيه اهتمام الإمام بأمر الدين وتعليمه لمن لا يعلمه، وإرشاده للتوصل إلى المباحات وغيرها (23).

14 - استدل بالحديث –أيضا- على جواز بيع العينة، وهي المسألة التي نتناولها في -مواقف العلماء من الحديث- الآتي:

سادسا: مواقف العلماء من الحديث

وصورة بيع العينة أن يبيع رجل سلعة بثمن (كعشرين دينارا) إلى أجل معلوم (كشهر)، ثمّ يبيع المشتري نفس السلعة إلى بائعها الأول في الحال بأقلّ من الثمن الذي باعها به (خمسة عشر دينارا مثلاً)، وفي نهاية الأجل المحدّد لدفع الثمن في العقد الأول يدفع المشتري كامل الثمن فيكون الفرق بين الثمنين لصاحب المتاع الذي باع بيعاً صورياً (24).

وللعلماء في تحريم هذه المعاملة وتجويزها قولان، سنتناولهما مع التعرض لأدلة الفريقين مع المناقشة وبيان سبب الخلاف.

أ- أقوال العلماء

اختلف العلماء في الحكم على العقد الثاني على قولين:

- ذهب جمهور العلماء: أبو حنيفة ومالك وأحمد وأتباعُهم إلى تحريم بيع العينة وعدم صحّة العقد بهذه المعاملة، وهذا القول مرويّ عن ابن عبّاس وعائشة وأنس والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي، وهو مذهب الثوري والأوزاعي (25).

- وذهب الشافعي وداود الظاهري وابن حزم إلى جواز بيع العينة وصحّة العقد بهذه المعاملة، وهذا القول مرويّ عن ابن عمر (26).

ب- أدلة المذهبين السابقين

نورد أدلّة الفريقين في هذه المسألة، ثمّ نعقب ذلك بمناقشة الأدلة على وفق ما تقدّم:

1 - أدلة الجمهور

استدلّ الجمهور بالسنة والأثر والمعقول:

· أما بالسنّة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير