تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد بَيَّن القرآن الكريم أن الأنبياء كانوا يبلغون الناس برسالة التوحيد فقال سبحانه:" ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقولَ للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين ... " (آل عمران آيه: 79).

ولقد أخذ الله الميثاق على العلماء بالتبليغ والتبيان فقال:" وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " (آل عمران آيه: 187) فإذا كان هذا حال العلماء الذين يتبعون الأنبياء قد أُخذ عليهم الميثاق بالتبليغ فكيف يمكن أن يكون الأنبياء من كاتميه وقد قال سيدنا شعيب:" ... وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ... " (هود آيه: 88) وقد توعد الله الذين يأمرون بالخير ولا يفعلونه بالمقت والغضب فقال سبحانه: " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " (الصف آيه: 3) و توعد الله سبحانه وتعالى في صريح كتابه الذين يكتمون العلم ولا يبينونه للناس باللعن فقال: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيِّنات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم" (البقرة الآيات: 158 - 159).

أما مخالفتهِ لصريح السنة:

قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"العلماءُ ورثةُ الأنبياء"رواه أحمد والأربعة وآخرون، عن أبي الدرداء مرفوعاً بزيادة أن:"الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما وَرَّثوا العلم"وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"العلماء ورثة الأنبياء "أي من ناحية التبليغ وتحمُّل مشقة الدعوة، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"من سُئلَ عَن عِلم فَكَتَمهُ ألجَمَهُ اللهُ بِلِجَامٍ مِن نار يوم القيامة"رواه أبو داود والترمذي وحَسّنه وصححه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً والحاكم عن ابن عمر ورواه أحمد وأبو يعلى ورواه ابن ماجة عن أنس وأبي سعيد بسند ضعيف ورواه الطبراني عن ابن عباس وابن عمر وابن مسعود وروي عن غيرهم من الصحابة منهم جابر بن عبد الله وعمر بن عبسة وعلي بن طَلق وعائشة ورواه ابن عدي عن ابن مسعود:"منَ كَتمَ عِلماً عَن أَهلهِ أُلجِمَ يومَ القِيَامةِ لِجِاماً مِن نار"ورواه ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري:"من كتم علماً مما ينفع اللهُ به الناسَ في أمر الدين ألجمهُ الله يوم القيامة بلجامٍ من نار"والمتفق عليه عند علماء أصول العقيدة أن العالِم مهما وصل من علمه وتقاه لا يصل إلى درجة النبوة لأن النبوة توهب والعلم يكتسب ونبي واحد أفضل من كل العلماء والأولياء وبهذا الذي قلناه أن العالِم مأمور بالتبليغ فكيف يجوز على النبي عدم التبليغ؟.وهذا الكلام هو "استدلال بما هو أدنى على ما هو أعلى".وهو يتوافق مع القاعدة " أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت ناسخ "،والمعلوم عند علماء الأصول"أنه لا يجتمع الأمر وضده" فكيف يكونوا أنبياء مأمورين باتباع الرسل وغير مأمورين بالتبليغ.

مخالفة هذا الكلام لصريح العقل:

أن النبي لو كان مأموراً بالكتمان لكان من باب أحرى وأولى أن نكون مأمورين بالكتمان وهذا لا يقول به أحد لأن النبي مأمور بإتباع شرع الرسول الذي قبله باتفاق، والرسول لا يكون إلا مبلغاً باتفاق، فلا يكون النبي متبعاً للرسول على معناه الحقيقي إلا أن يكون مبلغاً، والتبليغ لا يكون إلا بالقول والفعل ومما هو معلوم أنه يستحيل على الرسول الكتمان وبالتبع يستحيل على النبي أيضاً الكتمان لأن عكس الكتمان التبليغ فثبت العكس ولزم المطلوب وهو وجوب التبليغ وهكذا….

وهذا الكلام مما هو معلوم في البداهة عند المبتدئين في علم التوحيد أثناء دراستهم وتعلمهم ما يجوز وما يستحيل وما يجب على الرسول، ومن يدّعي غير ذلك فعليه البيان والتوضيح وردُّ ما ثبت بالكتاب والسنة وأقوال الأئمة الأعلام وردُّ صريح العقل مع النقل قال تعالى:" ... قل هَاتُواْ بُرهَانَكُم إِن كُنتُم صَادِقِينَ ... " (سورة البقرة آيه 111).

ومن المعلوم أن الأنبياء مؤيدون من الله تعالى بالمعجزة وهي من خصائصهم إذ هي دلالة صدقهم في إقامة الحجة على المعاندين وكيف لا وقد اتفقوا على تعريف المعجزة بأنها: أمر خارق للعادة يظهر على يد مُدّعي النبوة موافق للدعوة سالم عن المعارضة بالمثل مقرون بالتحدي. وكيف تكون إقامة الحجة بدون أن يكون مأمورا بالتبليغ.

فالفرق بين النبي والرسول ما قاله الإمام أبو منصور البغدادي في أصول الدين:"والفرق بينهما – أي النبي والرسول –أن النبي من أتاه الوحي من الله عز وجل ونزل عليه المَلَكْ بالوحي والرسول من يأتي بشرع على الابتداء أو ينسخ بعض أحكام شريعة من قبله "

والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد والحمد لله على ما أنعم وعَلَّم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم.

حرره الفقير إلى رحمة ربه أبو الفضل أحمد بن منصور

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير