تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

57. الواقع يشهد بأن بعض من بلغ الخمس سنين يميز, ومحمود بن الربيع عقل المجة التي مجها النبي عليه الصلاة والسلام في وجهه وهو ابن خمس سنين وهذا في الصحيح, فهل إذا صف في الصف طفل عمره خمس سنين يحسن الصلاة يقال (لا بأس) لأنه مميز؟ أو يقال وجوده مثل عدمه في الصف فهو كالفرجة لأنه لم يؤمر بالصلاة؟ هل هناك حد فاصل لمن يتاح له أن يصاف الكبار أو ليس هناك حد فاصل؟ منهم من يجعل الحد الفاصل تمام السبع لأنه مأمور بالصلاة وما قبل ذلك غير مأمور بالصلاة فوجوده كالفرجة في الصف, لكن هذا عمرو بن سلمة ابن ست أو سبع أم الناس وليس مصافاً لهم. فهل الأمر معلق بالتمييز أو معلق ببلوغ السبع؟ الجواب: الشرع يضبط الأحكام العامة بضابط يحكم غالب الناس ولا يتغير ولا يتفاوت ولا يصير فيه مجال للأخذ والرد. من الأطفال من يميز وعمره أربع سنين ومنهم من لا يميز ولو بلغ التسع سنين, ومثل هذا الاضطراب لا تعلق به أحكام شرعية, لأنه قد يأتي الرجل بولده ذو الثلاث سنين إلى المسجد ويقول إنه مميز فلا يمنع من الصلاة فيؤدي ذلك إلى إشغال الناس وإيذاءهم والعبث في المسجد, ويوجد من الأطفال من هو ابن ثمان أوتسع سنين ومع ذلك لا يأمره ولي أمره بالصلاة بدعوى أنه ليس بمميز. فالشارع في مثل هذه الأحوال يضبط بضابط يحكم غالب الناس, ولذا قال (مروا أولادكم بالصلاة لسبع) , وأكثر الناس يميزون في السبع ويندر أن يميز أحدٌ قبل السبع والنادر لا حكم له, ولذلك لا تترك مثل هذه الأمور للناس.

58. التمييز قد يكون قبل سبع, لكن لا يؤمر بالصلاة ولو كان مميزاً لكي نسد الباب على من يريد أن يعبث ولده الصغير في المسجد بدعوى أنه مميز.

59. مثل هذه الأحكام العامة يضبطها الشارع بضابط ثابت لا يتغير, ولذلك لما كان أمر التكليف خفياً رُبِطَ بأمور يتفاوت فيها الناس وجُعِل أقصاه حد يتفق فيه كل الناس, فالإنبات يتفاوت فيه الناس, والإنزال يتفاوت فيه الناس, وهذه أمور خفية, لكن بعد ذلك يأتي الحد الذي لا يمكن أن يتجاوزه أحد من الناس ولم يكلف, وهو تمام خمس عشرة سنة.

60. في هذا الحديث إذا قلنا إن عمرو بن سلمة ابن سبع سنين اتفقت النصوص, واطرحنا الأقل الذي هو الست باعتباره مشكوك فيه.

61. إمامة الصبي المميز الذي بلغ سبع سنين اختلف فيها أهل العلم: منهم من لا يرى صحتها في الفرائض لأنه متنفل فلا يؤم المفترضين, ومنهم من يقول إذا كان يضبط الصلاة ويحفظ القرآن ويعرف أحكام الصلاة فإمامته صحيحة, والحديث نص في صحتها, فالقول بصحة إمامة المميز ابن سبع سنين لا إشكال فيها لهذا الحديث.

62. حديث أبي مسعود (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله): يشهد لمعنى حديث عمرو بن سلمة, وهو أن أولى الناس بالإمامة الأكثر حفظاً للقرآن.

63. الأقرأ في الحديث هو الأحفظ لكتاب الله, أي الأكثر حفظاً لكتاب الله.

64. يرى أكثر الأئمة أن الأولى في الإمامة الأفقه, وهذا مذهب المالكية والحنفية والشافعية, وقالوا عن قوله (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) أنه خرج مخرج الغالب, وبالنظر إلى حال الصحابة رضوان الله عليهم فإن الأقرأ فيهم هو الأفقه وليس غيرهم مثلهم, ويعللون قولهم بأن ما يحتاج إليه من القرآن في الصلاة مضبوط, بمعنى أنا لو وجدنا فقيهاً يحفظ المفصل وعامياً يحفظ القرآن كاملاً فإنا نقول إن الذي يُحتاج إليه من القرآن مضبوط, فالذي يحفظ المفصل يكفيه في الإمامة, لكن المحتاج إليه في الفقه غير مضبوط, فقد يعرض للإمام ما يفسد صلاته وهو لا يشعر إذا كان غير فقيه, فلا يصلح أن يكون إماماً في هذه الصورة.

65. لو قلنا بقول هؤلاء الأئمة فماذا سيكون معنى قوله عليه الصلاة والسلام (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) والأعلم بالسنة هو الفقيه؟ لأنه إن كان المراد بالأقرأ الأفقه فإنا نكون قد ألغينا الجملة الثانية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير