ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[13 - 11 - 08, 04:04 م]ـ
يرى الشيخ حفظه الله أن أغلب الزيادة القائمة اليوم داخلٌ في حدود المسعى الشرعي , وهو متوقف في جزء يسيرٍ من أقصاها لا يتجاوز حدود الـ (متر) الواحد.
يرى الشيخ حفظه الله أن لفظ (بهما) يعني بينهما , ويستدل على ذلك بقول عائشة رضي الله عنها {لا أتم الله حج وعمرة من لم يسع بين الصفا والمروة}
وبقول ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - {إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يسع بالبيت (يعني:يرمل) وبين الصفا والمروة إلا ليريَ المشركين الجلد والقوة}
وبمثله من قول ابن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.
ويقول: لو قال قائلٌ ينبغي أن يخص هذا المسعى بالقدر الذي سعى فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , يقال له:
إن فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالسعي في جزء من أجزاء هذا العامِّ لا يقتضي تخصيص الحكم به , بمعنى أن تلغى دلالة الآية فيما بقي.
ووضح ذلك - حفظه الله - بقوله:
إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال {وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة} فهذا نص عام شامل لجميع أجزاء عرفة , بمعنى أن لو وقفت في أي جزء من هذا الجزء الذي سماه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنك واقف بعرفة.
ولو قال قائل:
إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان معه أصحابه الـ100 ألف , ووقفوا عند الصخرات ,فنخص موقف عرفة بالـ 100 ألف والموضع الذي وقف فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخصص عموم النص.
نقول له: هذا غير سائغ , لإلغاء دلالة النص على العموم.
الآية الكريمة عممت بما بين الصفا والمروة , فلا يستطيع أحد أن يخص جزءا من هذا العام إلا بدليل من القرآن أو دليل من السنة , يدل على أن هذا الموضع خاص.
ولذلك لما سعى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يقل لأصحابه وقد أنزل الله عليه الأمر بالسعي بين الصفا والمروة لم يقل أيها الناس:
لا تتفرقوا , لا تتباعدوا انحصروا في موضع كذا وكذا , وإنما تركهم لدلالة ا لآية على ظاهرها, وقد كان الناس يتفرقون بين يديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , وعلم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن الأمة ستقرأ كتاب ربها إلى يوم القيامة وأنها تعلم أنها مأمورة بالسعي فيما بين الصفا والمروة , ولم يقيد أو يحدد بالموضع الذي سعى فيه ,ولم يجعل معلما معيناً, ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
{خذوا عني مناسككم} أجمع العلماء على أنها في بيان المجمل , أمّا الآية فليس فيها إجمال , ليس قوله (بينهما) فليست الباء بمجملة بمعنى أنها تتردد بين هذه المعاني على حد سواء.
والمجمل في الأصول هو الذي يتردد بين معنيين لا مزية لأحدهما عن الآخر.
وقيل: بين معنيين فأكثر على حد سواء. (وفيه نظر)
لا مزية لأحدهما عن الآخر, لأنه لو كان لأحدهما مزية أصبح ظاهراً وصار هناك راجحا ومرجوحا.
ولو قال قائل: إن الباء لها معانٍ عديدة نقول:
إنها هنا للظرفية , لأنه لا إشكال في دلالتها على الظرفية , لأنه لو قيل إنها للتبعيض قلنا:
إن دلالتها على التبعيض بإجماع العلماء خلاف الظاهر , ولذلك في المسح على الرأس {وامسحوا برؤوسكم} لما قيل إنها للإلصاق للكل , كانت دلالة على الحقيقة وكان مذهبها أرجح , وحملها على البعض حملٌ مجازي.
فلو قال قائل:
هذا العموم في الآية أخصصه بمسعى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , نقول: هو كعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الوقوف بعرفة {كلها موقف} أخصصه بموقفه , كما يفعله بعض العوام الذين يظنون أن الحج لا يصح إلا إذا أتوا جبل إلال الذي يسمونه جبل الرحمة.
ولذلك الـ100 ألف صحابي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يستوعبوا عرفة كلها , لأنّ عرفة تتسع لمئات الألوف بل لأكثر من مليون , خاصة أن الصحابة يوم وقوفهم لم تكن عندهم هذه الخيام والأمتعة, فنحن نجزم بأنهم ما نزلوا في كل عرفة , وأنهم ما نزلوا في كل منى.
¥