فكل تخصيص لعام في مشاعر الحج , يُسْلكُ فيه هذا المسلك يكون فيه إبطال لدلالة العام , والأصل في دلالة العام أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه.
ولذلك من تمسك بهذا العام تمسك بدليل شرعي.
ووالله لا أستطيع أن أقول لرجل سعى بين الصفا والمروة في الزيادة أو في القديم إن حجه أو عمرته غير صحيحة.!!
ولو سعيتُ أنا في الزيادة ووقفت بين يدي الله , أقول: يا رب قل في كتابك {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} وقد تطوفتُ بين الصفا والمروة.
إذاً:
الإلزام بهذا الحد المعين فيه إشكال.!!
يصح اعتبار هذا الفعل (وهو السعي في جزء محدد) من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بياناً للآية إذا وقع الإجمال , إذا كانت دلالتها على المعنى مجملة تحتاج إلى بيان , مثلاً عندما قال {أقيموا الصلاة} ما هي الصلاة؟
عددها؟
شرائط صحتها؟
كل هذ يحتاج إلى بيان.
بل الحج نفسه يحتاج إلى بيان.
لكن آية السعي بين الصفا والمرة , العجيب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يرجع حتى إلى ترتيب الآية.!!
فهي في الدلالة على الأمر ووضوحه واضحة بينة , فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {أبدأ بما بدأ الله به} وتبع دلالة الآية , مما يدل على أن دلالتها على الحكم قوية , ومن هنا يَرِد السؤال (وهذا الأهم):
إذا زيد في المسعى وتقيدت الزيادة بحد الجبلين فلا إشكال ,لأن هذا أمر داخل تحت النص , وفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في فرد من أفراد العام لا يقتضي تخصيص الحكم به.
ولا نسطيع أن نقول إن المحل الذي سعى فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو الذي يصح فيه السعي دون غيره , هذا أمر من الصعوبة بمكان , ولا أعرفه كمسلك أصولي.
إنما يصح هذا الأمر إذا كانت دلالة النص محتملة لوجهين أو أكثر من وجه , وجاءت السنة ببيان أيهما المراد , فحينئذ تقول: السنة بينت المجمل.
أما إذا كان الأمر واضحا بيناً ودلالته واضحة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتبع دلالة الآية , فلا إشكال في اعتباره.
ولذلك: جميع أجزاء ما بين الصفا والمروة - على ظاهر الآية الكريمة - محلٌ للسعي.!
السؤال الأهمُّ كما ذكرنا: ما هو حد الصَّفا والمروة.؟
أمَّا الصفا , فلا إشكال في كبر حجمه , الجبل موثق من الناحية التاريخية ومن ناحية الأحداث , حتى كانت قريش إذا اهمَّها الأمر اجتمعت في الصفا, وكما صحّ في الحديث عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أمر بالجهر بالدعوة رقى الصفا فعمم في قريش وخصص , فكانوا يجتمعون تحت الصفا, وكان يجمع عشيرته وهي قريش , وإذا كانوا إلى عاشر جد تجتمع بطونهم تحت الصفا من سعته.
وفي يوم الفتح كما في حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل على يمين الجيش خالداً 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وعلى يساره الزبير بن العوام 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - , وأعطى القلب لأبي عبيدة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - , ثم قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - {ادع لي الأنصار} فدعاهم 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {يا معشر الأنصار أترون أوباش قريش , قالوا: نعم , قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اقصدوهم} وأشار بيده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (القتل القتل) أي لا تدعوا منهم أحدا حتى تقتلوه , ثم قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {موعدكم الصفا}
وهي بكامل كتيبته التي كانت لا تقل عن ألف فارس , ليجتمع بهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تحت الصفا , فهذا يدل على أنه موضع كبير , والفيروز آبادي ذكر أنه اتخذ داراً فسيحة من سعتها.
وذكر الإمام الشافعي رحمه الله أنه لما جاءت مسألة الضبع وهل هو صيد أم لا , قال رحمه الله: ما زال الناس يبيعونه في الموسم على الصفا بمكة, لأنه رأى أنه يباع على الصفا , فأنظر:
في الموسم , ومع الزحام يجدون مكانا يبيعون فيه من سعة الجبل.
فالجبل لا إشكال فيه ,حتى أعرف أناسا كانت لهم دكاكين وكانت لهم بيوت على الصفا ووثقوا أن حجم الجبل كبير.
¥