قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم، فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك، قلنا: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها، قالت - أي فاطمة -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطعن بمخصرته في المنبر، هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة - يعني المدينة - ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم، فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشأم أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق).
قالت فحفظت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.
وقد جعل الأئمة والحفاظ رواية النبي - صلى الله عليه وسلم- لهذه القصة من مناقب تميم -رضي الله عنه-، ومن رواية الأكابر عن الأصاغر، كما فعل الحافظ ابن حجر في ترجمته في الإصابة (1/ 368)، وفتح الباري (12/ 46)، والإمام النووي في شرح مسلم، قال الحافظ في الإصابة: " مشهور في الصحابة كان نصرانيا، وقدم المدينة فأسلم، وذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - قصة الجساسة والدجال، فحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه بذلك على المنبر وعُدَّ ذلك من مناقبة ".
وقال النووي عن الحديث: " هذا معدود في مناقب تميم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- روى عنه هذه القصة، وفيه رواية الفاضل عن المفضول، ورواية المتبوع عن تابعه، وفيه قبول خبر الواحد ".
ومع ذلك فقد طعن فيه " أبو رية " في كتابه " أضواء على السنة المحمدية "، وعقد فصلاً تحت عنوان " المسيحيات في الإسلام " زعم فيه أن حديث الجساسة من مسيحيات الصحابي الجليل تميم الداري الذي أراد أن يلوث الدين الإسلامي بإدخال المسيحيات فيه على حد زعمه!، بل قال: " إذا كانت الإسرائيليات قد لوثت الدين الإسلامي بمفترياتها، فإن المسيحيات كان لها كذلك نصيب مما أصاب هذا الدين، وأول من تولى كبر هذه المسيحيات هو تميم بن أوس الداري .... !! "
ثم عرض لأحاديث زعم أنها من المسيحيات ومنها حديث الجساسة، الذي تهكم به ساخراً ومستهزئا بقوله:
" لعل علماء الجغرافيا يبحثون عن هذه الجزيرة ويعرفون أين مكانها من الأرض حتى نرى ما فيها من الغرائب التي حدثنا بها سيدنا تميم الداري! ".
ثم استدل على صدق دعواه بكلام نقله عن الشيخ " رشيد رضا " أساء فيه النقل عنه، وقدم وأخر، واختصر في القول بما يؤيد دعواه، مع أنه ليس في كلام الشيخ التصريح بكذب القصة، ولا بتكذيب تميم -رضي الله عنه-.
ويمكن تلخيص الشبه المثارة حول الحديث فيما يلي:
أن الحديث بطوله ومشكلاته وغرائبه انفرد مسلم بإخراجه، وانفردت فاطمة بنت قيس بروايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم –.
مع أن إخراج مسلم له في الصحيح كافٍ في الحكم عليه بالصحة ووجوب قبوله، لما علم من مكانة أحاديث الصحيح وتلقي الأمة لها بالقبول، والحديث رجاله ثقات عدول لا مطعن في واحد منهم، ومع ذلك فقد رواه غير مسلم: الإمام أحمد، و أبو يعلى، و أبو داود، و ابن ماجه، ورواه غير فاطمة بنت قيس من الصحابة: أبو هريرة، و عائشة، و جابر -رضوان الله عليهم-، مما يدل على تعدد مخرجه وكثرة طرقه، فالحديث لم ينفرد به الإمام مسلم، ولم تنفرد بروايته فاطمة بنت قيس.
قال الحافظ رحمه الله في الفتح (13/ 328):
" وقد توهم بعضهم أنه غريب فرد، وليس كذلك ..... ثم أخذ في ذكر طرق الحديث ومن رواه من الصحابة ".
ومن الشبه المثارة حول الحديث أن رواية النبي - صلى الله عليه وسلم – له عن تميم لا تلحقه بما حدَّث به من تلقاء نفسه، ولا تدل على تصديقه للقصة أو إقراره بصحتها.
¥