تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(6) فِي الْأَلْفَاظِ الْمَرْفُوعَةِ مِنْ حِكَايَةِ الْجَسَّاسَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقِرَّ تَمِيمًا عَلَى كُلِّ مَا حَكَاهُ، بَلْ عَلَى بَعْضِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: " فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي مِنْ حَدِيثِ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ بِهِ عَنْهُ (أَيْ عَنِ الدَّجَّالِ) وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ " أَيْ، أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُمَا. وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: " إِلَّا أَنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّامِ أَوِ الْيَمَنِ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ " إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَتَرْجِيحُ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ رِوَايَاتِ جِهَةِ الْمَشْرِقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَحْرِ الشَّامِ، وَلَا بَحْرِ الْيَمَنِ ; لِأَنَّ الشَّامَ مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَالْيَمَنَ فِي جِهَةِ الْجَنُوبِ مِنْهَا، فَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا بِمَشْرِقٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا تَيَقَّنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْوَحْيِ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ نَفَى الْأَوَّلَيْنِ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَّقَ تَمِيمًا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ: " أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ " بِالتَّأْكِيدِ بِـ " إِنَّ " وَالْبَدْءِ بِأَدَاةِ الِاسْتِفْتَاحِ " أَلَا " ثُمَّ كُوشِفَ فِي مَوْقِفِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا وَلَا ذَاكَ، بَلْ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ.

(7) هَاهُنَا يَجِيءُ إِشْكَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ نَفْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَعْضِ قَوْلِ تَمِيمٍ يُبْطِلُ الثِّقَةَ بِهِ كُلِّهِ، وَيَحْصُرُ عَجَبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْهُ لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ مُوَافَقَتُهُ لِمَا سَبَقَ إِخْبَارُهُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ظُهُورِ الدَّجَّالِ وَكَوْنِهِ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ. وَإِنْ بَقِيَ الْإِعْجَابُ مِمَّا ذُكِرَ مِنْهُ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ يَتَفَصُّونَ مِنْ هَذَا بِأَنَّ الدَّجَّالَ كَانَ قَبْلَ إِسْلَامِ تَمِيمٍ، وَحَدِيثُهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ تِلْكَ الْجَزِيرَةِ الَّتِي رَآهُ فِيهَا فَذَهَبَ إِلَى أَصْبَهَانَ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْمَشْرِقِ، وَيَرُدُّهُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ تَمِيمٌ صَرِيحًا فِيمَا يُنَافِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ وِثَاقَهُ الشَّدِيدَ إِنَّمَا يُحَلُّ عِنْدَ الْإِذْنِ لَهُ فِي الْخُرُوجِ، وَأَنَّهُ صَارَ قَرِيبًا بَعْدَ ظُهُورِ الْعَلَامَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا قَالَ: إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرَجُ فَأَسِيرُ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، إِلَّا مَكَّةَ وَطِيبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ إِلَخْ. فَعَطَفَ الْخُرُوجَ عَلَى الْإِذْنِ بِـ " الْفَاءِ " وَالسَّيْرَ عَلَى الْخُرُوجِ بِـ " الْفَاءِ " نَصٌّ فِي أَنَّهُمَا عَلَى التَّعْقِيبِ لَا فَاصِلَ بَيْنَ هَذِهِ وَتِلْكَ، وَالْأَقْرَبُ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ مَصْنُوعَةً.

(8) نَنْتَقِلُ مِنْ هَذَا الْمَبْحَثِ إِلَى مَبْحَثٍ قَوِيِّ الصِّلَةِ بِهِ، وَهُوَ إِذَا لَمْ نَعُدَّ مَا فِيهِ مِنْ نَفْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا أَثْبَتَهُ تَمِيمٌ مِنْ وُجُودِ الدَّجَّالِ فِي أَحَدِ الْبَحْرَيْنِ وِفَاقًا لِلْعَلَّامَةِ الطِّيبِيِّ الشَّهِيرِ - فَهَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ حِكَايَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا حَدَّثَهُ بِهِ تَمِيمٌ تَصْدِيقًا لَهُ؟ وَهَلْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومًا مِنْ تَصْدِيقِ كُلِّ كَاذِبٍ فِي خَبَرٍ فَيُعَدُّ تَصْدِيقُهُ لِحِكَايَةِ تَمِيمٍ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِ فِيهَا؟ وَيُعَدُّ مَا يَرِدُ عَلَيْهَا مِنْ إِشْكَالٍ وَارِدًا عَلَى حَدِيثٍ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير