تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالجواب: أن المالكية والشافعيه يقولون: أن التمتع الذي أمر به صلى الله عليه وسلم من كان مفردا وذلك بفسخ الحج بالعمره، لاشك أنه في ذلك الوقت، وفي تلك السنة أفضل من غيره، ولكن لايلزم من أفضليته في ذلك الوقت، أن يكون أفضل فيما سواه، بدليل أنه جاءت أحاديث سيأتي قريبا بيانها دالة على أن تحتم فسخ الحج العمرة، خاص بذلك الركب وبتلك السنة، وأنه لم يؤمر بالفسخ لأفضليته في حد ذاته، ولكن لحكمة أخرى خارجة عن ذاته، وهي أن يبين للناس ان العمرة في أشهر الحج جائزه. وما فعله صلى الله عليه وسلم أو أمر به للبيان والتشريع، فهو قربة في حقه، وإن كان مكروها أو مفضولا، فقد يكون الفعل بالنظر الى ذاته مفضولا أو مكروها، ويفعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو يأمر به لبيان الجواز فيصير قربة في حقه وأفضل إلى ماهو دونه بالنظر إلى ذاته كما هو مقرر في الأصول.

وليس قصدنا ان التمتع والقران مكروهان، بل لاكراهة في واحد منهما تعيينا، ولكن المقصود بيان أن الفعل الذي فعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، يكون بهذا الاعتبار أفضل من غيره، وإن كان غيره أفضل منه، بالنظر إلى ذاته.

وإليك بعض الأدلة الدالة على أنه فعل ذلك لبيان الجواز وأن ذلك مختص بذلك الركب وتلك السنة:

الأول: حديث ابن عباس المتفق عليه قال فيه: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في أشهر الحج، ويجعلون المحرم صفراً ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن إعتمر، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ..... الحديث) قالوا: فقوله في هذا الحديث: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض وترتيبه بالفاء على ذلك قوله: (فأمرهم ... ) ظاهر كل الظهور في أن السبب الحامل له صلى الله عليه وسلم على أمرهم: أن يجعلوا حجهم عمرة، هو أن يزيل من نفوسهم بذلك اعتقادهم أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، فالفسخ لبيان الجواز كما دل عليه هذا الحديث المتفق عليه، لا لأن الفسخ في حد ذاته أفضل.

وقد بين الحافظ البيهقي في السنن الكبرى ان حديث ابن عباس المتفق عليه دال على ذلك، ولا ينافي ذلك أن ابن عباس يرى فسخ الحج في العمرة لازما، لأنه لامانع من أن يكون يعلم أن الفسخ لبيان الجواز المذكور، كما دل عليه حديثه وهو يرى بقاء حكمه، ولو كان سببه الأول بيان الجواز، ولكن غيره من الخلفاء الراشدين وغيرهم من المهاجرين والأنصار خالفوه في رأيه ذلك.

الثاني: ماجاء في سنن أبي داوود من حديث الحارث بن بلال بن الحرث عن أبيه قال: قلت يارسول الله، فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا؟ قال: (بل لكم خاصة) ورواه النسائي وابن ماجه.

وروى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. وفي رواية أخرى لمسلم عن أبي ذر قال: (لاتصح المتعتان إلا لنا خاصة)، يعني متعة النساء، ومتعة الحج.

وقال البيهقي وغيره من الأئمة: مراد أبي ذر بالمتعة المذكورة، المتعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها أصحابه وهي فسخ الحج في العمرة. وقد رد المخالفون الاستدلال بالحديثين المذكورين من جهتين:

الجهة الأولى منهما: تضعيف الحديثين المذكورين، قالوا: فحديث بلال بن الحارث المذكور عند أبي داود والنسائي وابن ماجه فيه ابنه الحارث بن بلال، وهو مجهول، وقد قال الأمام أحمد بن حنبل رحمه الله في حديث بلال المذكور: هذا الحديث لايثبت عندي ولا أقول به. قال: فقد روى فسخ الحج في العمرة أحد عشر صحابياً أين الحارث بن بلال منهم؟

قالوا: وحديث أبي ذر عند مسلم موقوف عليه وليس بمرفوع، فإذا كان الأمر كذلك فقد تبين عدم صلاحيتهما للاحتجاج.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير