ويجوز للمرأة أن تمهِّد لعقد الزواج من حيث الصداق ورضا الطرفين، وأما أن تباشر عقد الزواج فلا يجوز لها ذلك، وفي ذلك أثر عن عائشة رضي الله عنها:
عن ابن جريج قال: كانت عائشة إذا أرادت نكاح امرأة من نسائها، دعت رهطا من أهلها، فتشهدت، حتى إذا لم يبق إلا النكاح قالت: يا فلان! أنكح فإن النساء لا يُنْكِحن. " مصنف عبد الرزاق " (6/ 201)، وصححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (9/ 186).
وعن عائشة قالت: كان الفتى من بني أختها إذا هويَ الفتاة من بني أخيها، ضربت بينهما ستراً وتكلمت، فإذا لم يبق إلا النكاح قالت: يا فلان! أنكح، فإن النساء لا ينكحن.
" مصنف ابن أبي شيبة " (3/ 276).
وقد ورد عن عائشة – أيضاً – ما يوهم جواز تولي المرأة عقد الزواج، وقد استدل به الحنفية على عدم اشتراط الولي في النكاح:
عَنْ الْقَاسِمِ بنِ محمَّد أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ؟ وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ؟ فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ الْمُنْذِرُ: فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْتُ لأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ، فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاقًا.
رواه مالك (1182) وإسناده صحيح.
وما فهموه من الأثر خطأ؛ ومعنى الأثر موافق لما ذكرناه عن عائشة رضي الله عنها من قبل.
قال الإمام أبو الوليد الباجي – رحمه الله -:
قوله: (إن عائشة زوَّجت حفصة ... ) يحتمل أمرين:
أحدهما: أنها باشرت عقدة النكاح، ورواه ابن مُزَّين عن عيسى بن دينار، قال: وليس عليه العمل - يريد: عمل أهل المدينة حين كان بها عيسى - ; لأن مالكا وفقهاء المدينة لا يجوزون نكاحا عقدته امرأة، ويفسخ قبل البناء وبعده على كل حال.
والوجه الثاني: أنها قدَّرت المهر وأحوال النكاح , وتولَّى العقدَ أحدٌ من عصَبتها، ونسب العقد إلى عائشة لما كان تقريره إليها , وقد روي عن عائشة أنها كانت تقرر أمر النكاح ثم تقول: " اعقدوا؛ فإن النساء لا يعقدن النكاح "، وهذا هو المعروف من أقوال الصحابة أن المرأة لا يصح أن تعقد نكاحا لنفسها ولا لامرأة غيرها.
" المنتقى شرح الموطأ " (3/ 251).
وقال ابن عبد البر – رحمه الله -:
قوله في حديث هذا الباب " أن عائشة زوجت حفصة بنت عبد الرحمن أخيها من المنذر بن الزبير " ليس على ظاهره، ولم يرد بقوله " زوجت حفصة " - والله أعلم - إلا الخطبة والكناية في الصداق والرضا ونحو ذلك دون العقد، بدليل الحديث المأثور عنها أنها كانت إذا حكمت أمر الخطبة والصداق والرضا قالت: " أنكحوا واعقدوا؛ فإن النساء لا يعقدن " ...
قال: قد احتج الكوفيون بحديث مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة المذكور في هذا الباب في جواز عقد المرأة للنكاح!
ولا حجة فيه لما ذكرنا من حديث ابن جريج؛ ولأن عائشة آخر الذين رووا عن النبي عليه السلام (لا نكاح إلا بولي)، والولي المطلق يقتضي العصبة لا النساء.
" الاستذكار " (6/ 32) باختصار.
والخلاصة: أنه يجوز للمرأة أن تمهِّد لعقد الزواج، ولا يجوز لها أن تباشر التزويج بنفسها؛ لأن هذا من فعل القاضي ومن ينوب عنه، ومن شروطهما الذكورة.
وإذا تمَّ العقد الشرعي برضا الطرفين وموافقة الولي، وتولت المرأة توثيق عقد النكاح؛ كأن تكون موظفة في محكمة، أو دائرة شرعية، أو ما يشبه ذلك، من أعمال المأذونية، فلا يظهر المنع؛ لأن العقد قد تمَّ وليس لها إلا توثيق ذلك على الورق.
أما تكون هي شاهدةً على عقد النكاح، أو يكون المرجع في تقويم الشهود إليها، أو أن تكون هي التي تلي عقد النكاح، دون الولي، فلا يجوز.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islam-qa.com/ar/ref/83782/%C7%E1%D4%E5%E6%CF%20%DD%ED%20%DA%DE%CF%20%C7%E1%D 2%E6%C7%CC (http://www.islam-qa.com/ar/ref/83782/%C7%E1%D4%E5%E6%CF%20%DD%ED%20%DA%DE%CF%20%C7%E1%D 2%E6%C7%CC)
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل على هذه الفائدة النفيسة.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[28 - 11 - 08, 04:39 ص]ـ
من الأمور التي يتطلبها عمل المأذون ولا تتفق مع طبيعة المرأة المسلمة:
1 - الذهاب إلى بيوت الناس وتركها القرار في بيتها كما أمرها الله تعالى، وقد يكون ذهابها في أوقات متأخرة من ليل أو نهار.
2 - خطورة ذهابها إلى مكان العقد وما قد يحصل فيها من مفاسد، وقد يكون معها محرم لها وقد لايكون.
3 - قد تكون هذه المأذونه شابة جميلة فتفتن الناس بكلامها وجلوسها معهم والحديث معهم.
3 - قد تكون حائضا أثناء إجراء العقد فلا تقرأ الآيات الواردة في خطبة النكاح، ولاتدخل المسجد على القول باستحباب عقد النكاح في المساجد كما هو مذهب الحنابلة، وهذه المسائل خلافية ولكن القصد التنبيه إلى ذلك.
4 - المرأة ناقصة عقل ودين فقد تتأثر ببعض ما يقوله الرجل أو المرأة في العقد وتغلب عليها العاطفة.
5 - قد يصعب على المرأة التأكد من الشهود ومعرفة عدالتهم والتحقق من شخصياتهم ومدى مطابقتها لصورهم في الهوية، وهذا يتطلب منها كثرة النظر إلى الشهود حتى يمكنها التحقق من مطابقتها للهوية، ولايخفى مافي هذا من المفاسد.
6 - أن المأذونية الآن فيها شيء من الفصل والقضاء بين الناس، والمرأة لايصح لها تولي القضاء بين المسلمين.
فائدة:
جاء في أحكام القرآن لابن العربي قوله:
فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده.
¥