تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- وإما أنها نصوصٌ تفيد تصور الفقهاء لأحوال حصر الحاج، فإذا حصر عن عرفة تعلق به حكم الحصر الخاص من الهدي، وإذا حصر عن واجب من واجبات الحج، تعلق به مقتضاه وهو لزوم الدم، وإذا حصر عن مستحب لم يلزمه شيء، فهو تصوير لأحوال ما يمكن أن يحصر عنه الحاج، لا حكم الحصر الخاص، كما أنه ليس في النصوص التي ساقها ما يفيد استدلال الفقهاء بآية الحصر على لزوم الدم لمن أخل بالواجب، بل إن جملة ابن قدامة التي ذكر أنه استدل بآية الحصر على وجوب الدم لمن ترك واجبا، قد نص فيها ابن قدامة نفسه أن الحكم كذلك لو كان من غير حصر، مما يؤكد أنه لا أثر للحصر على الحكم إنما هو في حصول صورة الحصر فحسب.]

2 - قياساً على دم المتمتع.

[كما قررها الشيخ المختار الشنقيطي، من جهة أن دم التمتمع والقارن إنما وجبا على الأفاقي الذي ترفه بسقوط أحد السفرين عنه، وكان الأصل أن يهل لكل من حجه وعمرته من الميقات، فهو دمٌ لجبران ترك الواجب الذي سمح به الشارع، وهو قياسٌ مدخولٌ أيضاً من جهة الفرق بين أحكام الدمين فأحدهما دم شكر، والآخر دم جبران، وأحدهما يؤكل منه والآخر لا يؤكل منه .... ]

3 - قياساً على الدم في فدية المحظور.

[وبيانه: أن ابن عباس رضي الله عنهما قاسه على أكمل الثلاثة في فدية الأذى لأنه هو الأصل، وهو الذي يحصل به البراءة.

وهذا في الحقيقة معنىً لا يشفع لتمرير هذا القياس المعين مع ما حصل فيه من هذا الفرق المؤثر، وهو التخيير في فدية الأذى، ولزوم الدم في ترك الواجب، والذي يتعذر معه إجراء هذه العملية القياسية حسب التراتيب الأصولية]

وبما سبق:

فإن المتأمل يجد أن كل هذه القياسات لا تخلو من نظر، وإنما ألهم ابن عباس هذا الحكم، ووقع في قلبه، ووافقته الأمة عليه من بعده لما يلي:

· لمجموع هذه القياسات، بعضها مع بعض، مع أن أفرادها لا تخلو من نظر.

· لمكانة الدم في الحج [في لزومه للمتمتع وللقارن، واستحبابه للمفرد، بل واستحباب تعدده، بل تعداه إلى ما يحصل من مشاركة غير الحاج فيما يشبه هذا النسك، وهو المسمى في الشريعة بالأضحية]

· ولما هو معلومٌ من لزوم التكفير في كثير من العبادات اللازمة، وعادة الشارع التكفير بالشيء من جنسه، أما وقد وقع هذا في الحج نفسه كما هو حاصلٌ في فدية الأذى، وكما حصل أيضاً في من أحصر عن البيت الحرام، ناهيك عما جاء في وصف أعمال الحج بالنذور التي يجب على الحاج أن يوفي بها في محلها، ومنها الدماء.

فإن فتوى ابن عباس بناء على كل ما سبق:

نجد أنها تؤيدها الأصول القريبة في الحج، فمن تعمد الإخلال بشيء من أنساك الحج وفاته تداركه فإن أقل ما يمكن عمله هو تقريب الدم إليه سبحانه، فإلزام الدم بذلك رحمة له وسعة، بل إن حكمه للمحرم قريب وهو الاستحباب لعموم الحاج، بل واستحباب تعدده، وإنما ارتقى هنا إلى الوجوب نظراً إلى الخلل الحاصل في حجه.

يقول سبحانه:

o { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}

o { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}

o { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}

فكيف وقد جاء في النص نظيره في فدية الأذى وفي المحصر، وكان لازما للمتمتع والقارن.

فكيف وقد شاركه في فتواه هذه ابن عمر رضي الله عنهما ولا مخالف لهما من الصحابة.

كيف قد انعقدت فتاوى أهل الإسلام على ذلك، ودونت بها مصنفاتهم، وإنما حصل الخلاف بأخرة، وهو لا يضر لأنه خلافٌ لم يقع في محل صالح، فقد سبقه الإجماع وانفضَّ أهلُه.

كيف وقد سلَّم أشهر من نازع في الوجوب من المعاصرين وهو الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن أحوال الناس لا تنضبط إلا به، فأعمله سياسةً، وإن نازعه دلالة.

يقول محمد محمد بن جرير الطبري في تهذيب الآثار من مسند بن عباس [السفر الأول ص229]:

(من قدم شيئاً من نسكحجه أو أخره فلا حرج عليه ولا فدية ولا جزاء

وذلك أن الفدية والجزاء في النسك إنما هو:

عوض من تقصير في واجب وتضييع للازم قد فات عمله وخرج بتضييعه وأثم بتقصيره. وفي إعلام النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنه لا حرج عليه فيما فعل من ذلك ولا فدية إذكان من زال عنه الحرج زائلاً عنه البدل الذي كان لازماً له أو كان حرجاً وهي الفديةوالكفارة والجزاء.)

تنبيه:

هذا الحكم يبقى من حيث الجملة، وهو تحصيل مقدار متفق عليه، ويبقى ما عداه من حيث التفصيل محل اجتهاد ونظر.

المصدر ( http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php?p=9834#post9834)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير