الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ، وَيُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَكَثِيرًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمْوَالَهُمْ، إلَّا مَنْ خَرَجَ مَعَهُمْ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُمْ بُغَاةٌ، حُكْمُهُمْ حُكْمُهُمْ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ.ا. هـ.
والقول بعدم تكفيرهم هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (5/ 247):
ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم وكان عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري وكانوا أيضا يحدثونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم كما كان عبدالله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل وحديثه في البخاري، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان وما زالت سيرة المسلمين على هذا ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق.
هذا مع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة وما روي من أنهم شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه في الحديث الذي رواه أبو أمامة رواه الترمذي وغيره أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة ومع هذا فالصحابة - رضي الله عنهم - والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ولا جعلوهم مرتدين ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل بل اتقوا الله فيهم وساروا فيهم السيرة العادلة.ا. هـ.
- القولُ الثالثُ:
التوقف عن تكفير الخوارج وكما ذكرنا أنه الغالب على الإمام أحمد.
روى الخلال في السنة (ص145 رقم 111) بإسناده فقال:
وأخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبدالله قيل له: أكقر الخوارج؟ قال: هم مارقة. قيل: أكفار هم؟ قال: هم مارقة مرقوا من الدين.
قال المحقق د/ عطية الزهراني في الحاشية: إسناده حسن.
وروى الخلال أيضا بإسناده (ص 146 رقم 112) فقال:
وأخبرني محمد بن أبي هارون أن إسحاق حدثهم أن أبا عبدالله سئل عن الحرورية والمارقة: يكفرون؟ قال: اعفني من هذا وقل كما جاء في الحديث.
قال المحقق: إسناده صحيح. وقد أخرجه ابن هاني في مسائله.
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (12/ 486):
وَأَمَّا " الْقَدَرِيَّةُ " الْمُقِرُّونَ بِالْعِلْمِ وَ " الرَّوَافِضُ " الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ الْغَالِيَةِ والجهمية وَالْخَوَارِجُ: فَيُذْكَرُ عَنْهُ (أي الإمام أحمد) فِي تَكْفِيرِهِمْ رِوَايَتَانِ هَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِهِ الْمُطْلَقِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ التَّوَقُّفُ عَنْ تَكْفِيرِ الْقَدَرِيَّةِ الْمُقِرِّينَ بِالْعِلْمِ وَالْخَوَارِجِ مَعَ قَوْلِهِ: مَا أَعْلَمُ قَوْمًا شَرًّا مِنْ الْخَوَارِجِ.ا. هـ.
وممن توقف فيهم أيضا أبوالمعالي عبدالملك بن يوسف إمام الحرمين.
قال القاضي عياض في الشفا (2/ 1058):
ولمثل هذا ذهب أبو المعالي (أي التوقف) رحمه الله في أجوبته لأبي محمد عبدالحق وكان سأله عن المسألة واعتذر له بأن الغلط فيها صعب لأن إدخال كافر في الملة أو إخراج مسلم عنها عظيم في الدين.ا. هـ.
وقد توقف في المسألة أيضا الباقلاني والغزالي قال الحافظ في الفتح (12/ 314) نقلا عن القاضي عياض:
وَقَدْ تَوَقَّفَ قَبْله الْقَاضِي أَبُو بَكْر الْبَاقِلَّانِيّ وَقَالَ: لَمْ يُصَرِّحْ الْقَوْم بِالْكُفْرِ وَإِنَّمَا قَالُوا أَقْوَالًا تُؤَدِّي إِلَى الْكُفْر.
وَقَالَ الْغَزَالِيّ فِي كِتَاب " التَّفْرِقَة بَيْن الْإِيمَان وَالزَّنْدَقَة " وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاحْتِرَاز عَنْ التَّكْفِير مَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَإِنَّ اِسْتِبَاحَة دِمَاء الْمُصَلِّينَ الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ خَطَأ , وَالْخَطَأ فِي تَرْك أَلْف كَافِر فِي الْحَيَاة أَهْوَنُ مِنْ الْخَطَأ فِي سَفْك دَم لِمُسْلِمٍ وَاحِد .. ا. هـ.
- الخاتمةُ:
هذه ثلاثة أقوال في المسألة نقلتها من كلام أهل العلم.
وهناك رأي قد يُجعل قولا رابعا ذكره د/ غالب عواجي في كتابه " الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها " وهذا القول ما ترجح لديه فقال (ص544):
والواقع أن الحكم بتكفير الخوارج على الإطلاق فيه غلو وأن الحكم بالتسوية بينهم وبين غيرهم من فرق المسلمين فيه تساهل.
ثم قال:
وفيما يظهر لي أن لا يعمم الحكم على جميع الخوارج بل يقال في حق كل فرقة بما تستحقه من الحكم حسب قربها أو بعدها عن الدين وحسب ما يظهر من اعتقادتها وآرائها أما الحكم عليهم جميعا بحكم واحد مدحا أو ذما فإنه يكون حكما غير دقيق.ا. هـ.
وفي الختام أسأل الله أن يكون في هذا القدر كفاية وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه جلا وعلا إنه سميع مجيب.
وأذكر بأن من كان لديه إضافة أو تعليق فلا يبخل بها وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
http://www.saaid.net/Doat/Zugail/87.htm
¥