تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى عن أبي يوسف، حكايات في الحيل والتخريجات، لعلها لا تصح، وقد نسب القاضي إلى الإرجاء على مذهب شيخه أبي حنيفة وقد مر معنا قريباً قول ابن حبان: أنه خالف صاحبيه أبا حنيفة ومحمد ابن الحسن الشيباني في الإيمان والقرآن، وقد أثنى عليه غير واحد من العلماء بأنه صاحب سنة، وروى عنه يحيى بن يحيى أنه قال عند وفاته: (كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه، إلا ما وافق كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكان يذم علم الكلام يقول: إن العلم بالكلام جهل.

وكانت له جهود في التأليف وتصنيف الكتب، وقد وصف بأنه أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة وكان يحفظ التفسير والمغازي وأيام العرب إلى جانب الفقه ووصل إلينا من كتبه: الرد على سير الأوزاعي، واختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، وكتاب الخراج.

منهجه في كتاب الخراج:

هذا الكتاب عبارة عن خطة عمل لإصلاح الإدارة المالية في الدولة الإسلامية في العصر العباسي، وضعه أبو يوسف، كما يظهر من مقدمته بناء على طلب من الخليفة هارون الرشيد، ليعمل به في جباية أموال الدولة، من الخراج، والشعور، والصدقات، والجزية، وقد جعل أبو يوسف كتابه على صورة السؤال والجواب، وقد أحصيت منها ثمانية وعشرين سؤالاً. لكن أبا يوسف لم يقتصر على إجابة الأسئلة، وإنما استطرد في الإجابة استطرادات مفيدة، ووضع مقترحات وخطة عمل، وطلب من الخليفة أن يعمل بها، وقدم له نصائح قيمة في إدارة الدولة، ومحاسبة العمال، والموظفين على الخراج، والبريد، والصدقات، وغيرها من الوظائف.

ولم يكن مبحث الخراج الذي اشتهر به الكتاب إلا أحد فصول الكتاب فقد وضح إلى جانب مبحث الخراج كافة موارد الدولة المالية، وواجبات الدولة في إصلاح المرافق العامة، وواجباتها في محاسبة موظفيها، وإقامة الحدود، ونشر العدل، وقتال أهل الشرك، وأهل البغي، ولم تخل تلك المباحث من إيراد السوابق التاريخية من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة الخلفاء الراشدين وسيرة عمر بن عبد العزيز، كما تضمنت دراسة مركزة عن الفتوح. وبذلك يكون أبو يوسف قد قدم دراسة فقهية، وتاريخية، للنظم الإسلامية، وسجلا للسوابق التاريخية من فتاوى الصحابة وسيرة الخلفاء الراشدين، وقد ناقش أراء الفقهاء الذين سبقوه أو عاصروه، ورجح ما رآه دون أن يتقيد بآراء شيخه أبي حنيفة.

وطريقته في إيراد الأحاديث النبوية أو الأخبار التاريخية هي طريقة العلماء في عصره، وهي التزام الإسناد. لكن هذه الأسانيد لا تكون دائماً متصلة بل فيها المعضل، والمنقطع، وفيها المبهم الذي لم يسم كقوله: (حدثني أهل المدينة .. شيخ قديم .. كتبت إلى شيخ من أهل الجزيرة).

وقد استعمل الإسناد الجمعي بقلة، ونقده للأخبار التاريخية معدوم، لكنه يناقش الآراء الفقهية ويستدل بالأحاديث النبوية وفتاوى الصحابة الوقائع التاريخية في حياة الراشدين.

والكتاب يعتبر أول دراسة للنظم الإسلامية جمع به مؤلفه بين الدراسة الشرعية والوقائع التاريخية، ونقد فيه بعض الأوضاع والانحرافات المخالفة للشريعة، وطلب من الخليفة إصلاح ذلك وإقامة النظام المالي في الدولة على مقتضى العدل الرباني الذي جاءت به الشريعة وطبقه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ومن اقتدى بهديتهم واستن بسنتهم.

ولقد كان القاضي أبو يوسف رحمه الله صريحاً مع هارون الرشيد في بيان الأخطاء والمخالفات دون مواربة، وطلب إليه في أدب واحترام تصحيح الأوضاع، وأمره ونهاه، وحذره وذكره بالله، ورغبة في ثوابه وخوفه وعقابه.

أما دور كتاب الخراج وأثره في تطور الكتابة التاريخية فإنه قد فتح باباً من أبواب الدراسات التاريخية وهو دراسة النظم الإسلامية مستنداً إلى السوابق التاريخية من الوقائع التطبيقية لمدلولات النصوص الشرعية، وتبعه في هذا المنحى كثير من الكتاب والمؤلفين، وهو لم يجعل كل ما وقع في ظل الدولة الإسلامية من وقائع ونظم مبرراً للعمل بها، إنما العمدة في هذا على النصوص التي تتبع ويقتدى بها، وما خالف النصوص الشرعية من عمل الناس فلا يتابعون عليه، لأن البشر يصيبون ويخطئون فلا تحسب أعمالهم وتطبيقاتهم على الشرع إذا كانت خاطئة، إذ لا بد من التفرقة بين أخطاء البشر وأحكام الشرع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير