هي كثيرة جدا و قد كثر هذا من العلماء فاشتهر عن عدد كبير من أهل العلم تمنيهم للحصول على بعض الكتب بل إن (الرسالة) رسالة ابن أبي زيد القيرواني لما أتت إلى بغداد في عام تأليفها اشتريت بوزنها من الذهب وضع الكتاب في كفة و وضع الذهب في كفة حتى شريت بوزنها من الذهب و كان عدد كبير من الناس يتمنون هذه الكتب تمنيا عجيبا حتى إن الخليفة الأموي الثالث الحكم المستنصر عندما أتى أبو على القارئ للأندلس ألف له كتابه (الأمالي) فجعل أبا علي في كفة و الذهب في كفة فوزنه أعطاه وزنه هو من الذهب بدل هذا الكتاب و عكف الخليفة على الكتاب حتى حفظ كل ما فيه هو و غلمانه و جواريه و كذالك كانت الكتب تهدى إليه من بعيد فقد كان الناس إذا ألفوا كتابا في خراسان أو في المشرق: بغداد أو في أي مكان جلبوه إليه و لذالك قيل في ترجمته لم يجتمع في مكتبة من مكتبات الإسلام من الكتب ما اجتمع في مكتبته و كان الناس يهدون الكتب إلى الملوك و إلى الذين يجلون أهل العلم فمن ذالك أن الإمام البيضاوي رحمه الله لما ألف تفسيره في بلاد الترك كانت إذ ذاك تسمى بلاد الروم ذهب به يقصد به أحد الملوك يريد إهداءه إليه فنزل ضيفا على رجل من المتزهدة من الصوفية فبات عنده فسأله إلى أين تتجه بسفرك هذا قال: أذهب بكتابي هذا إلى هذا الملك لعله يثيبني عليه فسكت الصوفي فلما كان من الصباح سأله فقال ما ذا قلت في تفسير قول الله تعالى ?إياك نعبد و إياك نستعين? ففهم البيضاوي مقصد الرجل مقصد الرجل فقطع سفره و رجع إلى بلده فلحقته عطية الملك في بلده أدركته حيث رجع و هذا نظير ما حصل لأبي عثمان المازني رحمه الله عندما طلب منه رجل من اليهود أن يكتب له كتاب سبويه بثلاث مائة دينار فتذكر أن في كتاب سبويه ثلاث مائة آية فقال لا أجعل ثلاث مائة آية من كتاب الله في يد يهودي و كان فقيرا معدما فبينما هو على ذالك الحال و بناته يلمنه على هذه الصفقة إذا خيل البريد تسأل عنه فركب خيل البريد إلى الخليفة الواثق أبن المعتصم فادخل عليه فوجده كانت لديه جارية تغني فانشدت بين يديه أهدى السلام تحية ظلمو أغليم إن مصابكم رجلًا
فقال لها الخليفة و وزيره الفتح ابن خاقان: أغليم إن مصابكم رجل (خبر إن) فقالت: لا أنا رويتها عن شيخي أبي عثمان المازني في البصرة هكذا أغليم إن مصابكم رجلا أهدى السلام تحية ظلمو فأرسلوا خيل البريد في ذالك الوقت حتى جيء بأبي عثمان المازني فسأله الخليفة فقال يا أمير المؤمنين: ألا ترى أن الكلام مغلق إلى قوله ظلمو فظلمو هي خبر إن و رجلا مفعول المصدر و هو مصابكم فرحب به و أعطاه ثلاثة آلاف دينار ثم خيره قال: إن شئت رددتك إلى أهلك و إن شئت أقمت عندي مكرما فقال أريد الرجوع إلى أهلي فسأله ما قال أهلك عندما خرجت فقال: قالت إحدى بناتي فإنا بخير إذا لم ترم أبانا فلا رمت من عندنا
نجفا وتقطع منا الرحم فإنا إذا اضمرتك البلاد
فقال فما ذا قلت أنت؟ قال قلت قول جرير: و من عند الخليفة بالنجاح ثقي بالله ليس له شريك
فقال: نعم بالنجاح إن شاء الله فأجرى عليه ثالثة آلاف كل سنة فأخبره بالقصة و ما حصل ثم أجازه الفتح ابن خاقان بألفين قال لولا أن الخليفة أجازك بثلاثة آلاف لأجزتك بها ولكن تأدبا مع الخليفة أنقص عن عطيته ثم أجاز الخليفة الجارية بثلاثة ألاف فأهدتها إلى الشيخ فرجع مكرما إلى أهله بكل هذه العطايا و كذالك من حرصهم على الكتب و عنايتهم بها أن عددا من الذين اشتهروا بالفتوحات و الغزو مثل صلاح الدين الأيوبي و غيره كانوا يجلسون مجالس لنقد الكتب الجديدة التي ألفت في زمانهم و كانت تهدى إليهم الكتب صلاح الدين كان لا يشغله الجهاد و تدبير أمر الدولة عن أن يجعل يوما لمناقشة الكتب الجديدة و لذالك أهدى إليه ابن مالك كتابه المثلث: الأعلام بتثليث الكلام يقول في مقدمته: صلاته على الرضى الأواب اتباع حمد الملك الوهاب
به ابتهاج النطق في الكتاب محمد و آله الأنجاب
بنات فكر ناسبت إجلاله و بعد فالأولى بأن تجلى له
في نصر أهل العلم و الآداب ملك يباري فضله إفضاله
من ربه بأسعد تزيد الناصر الذي له تأييد
مستأصل يغني عن احتراب فمن عداه لهم مبيد
لمن يواليه بجود وجده من جنده الأقدار فهي منجدة
بأسهم لم تخل من اكساب و من يناويه يجدها مقصدة
من سمت بعزهم العلياء إلى صلاح الدين الإبتداء
من مبتغي المربوب و الأرباب ومن نوى إدراك ما يشاء
منه على نيل العلا معين يمناه فيها للنهى معين
إلا لقرب منه و انتساب فلم يرى لسؤدد تعيين
طوعا وكرها هم له عبد قد لجأت له الملوك صيد
إلا لأحرى الخلق بالعقاب إذ ليس لهم عنه محيد
إلى اتساع في كلام العرب لما علمت أنه ذو أرب
له كتاب فيه ذا احتساب أردت أن أجعل بعض قرب
نحو حلمت و حلمت و حلم أحوي به أكثر تثليث الكلم
به اعتنا قدما أولوا الألباب فحوز هذا الفن محمود مهم
على الحروف بينا مرتبا و ها أنا آتي به مبوبا
ينساق معناه بلا استصعاب ملخصا مخلصا مهذبا
و كذالك لدى المتأخرين ولع بالكتب التي تظهر و تشتهر و قد حصل لبعض العلماء في هذا الزمان شيء من ذالك فكانوا يفرحون بالكتب إذا وجدوها حتى يقولون الشعر في الفرح بها فالشيخ باب بن الشيخ سيديا رحمه الله لما طبع كتاب المنتقى للباجي على الموطإ سمع أنه طبع في تركيا فأوفد موفدا من بلاده بلاد شنقيط إلى تركيا ليأتيه بنسخة منه فتكلف في ذالك مالا طائلا يقول فيه في قصيدة نسيت مطلعها إلى أن يقول: بنيل كتاب المنتقىغير أنه و نسرين روض في البلاد تفتقا
نتيجة نيل المنتقى لمن اتقى و كذالك جدي رحمه الله عندما طبع التقصي: و هو تجريد التمهيد لإبن عبد البر أتاه به أحد السفراء و كان مسافرا عن البلد سفرا طويلا فقال فيه: و هذا التقصي شاهد ليس يجرح تقصيت آثار المحامد تسرح
بأيكما إذ جئتما كنت أفرح فو الله ما أدري و إن كنت داريا
و كذالك رغب في وجود نسخة مخطوطة من الذخيرة للإمام القرافي و كانت في الخزانة الملكية في الرباط فصورها له أحد الوزراء و أتاه بها فقال له أبيات يقول فيها ذخيرتنا أتان بالذخيرة.
انتهى
¥