تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كلامه هنا لا يخلو من صواب، لكن عرض المؤاخذة بهذه الصورة، فيه تسطيحٌ ـ كما يقال ـ للمسألة، ومعلومٌ أن لعلماء الأصول تفصيلٌ فيما يجب على المفتي في مسائل الخلاف، وتفريقهم بين الخلاف السائغ وغيره، والقول الضعيف ومقابله ... الخ.

وقد أفادَ الشاطبي وغيره أنه: لا ينبغي للمفتي أن يخير المستفتي بين أقوال العلماء، بل يفتيه بما يراه راجحاً، فإن لم يترجح لديه شيء وسعه السكوت، وليقل: الله أعلم!

ـ التناقض في الفتاوى مع اتفاق الوقائع بين المفتين والعلماء ليس هذا فحسب بل بين علماء المذهب الواحد والإقليم والبلد الواحد بل بين المفتي نفسه في مواقف مختلفة

هذه دعوى، لم يذكر لنا الكاتب أمثلة لمدَّعاه، ومع ذلك فلم يزل أهل العلم يختلفون، حتى قبل أن تخترع هذه الوسائل، وليس هذا قادحاً في علومهم وأقدارهم، ولا يسمى اختلافهم تناقضاً، لأن التناقض هو أن نقرَّ بأصلٍ ثم ننقضه بفتوى، كمن يرى صحة حديث، ثم يفتي بخلافه، فهذا متناقض.

أما الاختلاف فموجودٌ لدى أصحاب الصنائع كلها، وليس الفقهاء ببدعٍ في هذا الباب.

بيد أنّ الخلاف ما دام في حدود المسائل الاجتهادية، فلا عيب فيه، ولا تثريب على طرفيه.

ثم هب أن المفتي أخطأ في مسألة، أو اثنتين، كان ماذا؟، وما مِن شرط العالم أنه لا يخطئ، كما قال الذهبي في ترجمة الغزالي ـ رحمهما الله ـ.

ولكل عالمٍ شواذّ حفظت عنه، ولم يُقْلَ، لكن الشأن فيمن كثرت شذوذاته، فهذا الذي يُدفع عن منصب الإفتاء.

ـ وشبيه بهذا اختلاف الحكم مع اتفاق الوقائع حيث تضطرب الفتاوى اضطراباً شديداً في هذا مما يجعل الناس في حيرة ويضعف أثر الفتوى لديهم خصوصاً في المستجدات من المعاملات كالتأمين والمساهمات والسياسة الشرعية ونحوها.

هذا صحيحٌ موافق، وهو بليةٌ من البلايا، إذا كان في المسائل العامة، التي لا تتعلق بالفرد فيما بينه وبين ربه، بل تتعلق بالشأن العام!

ومع هذا فليس الحل هو أن نلغي الفتاوي المباشرة، وإنما لا بد من السعي في تأسيس فقه معاصرٍ صحيح منضبط.

ـ ونتج عن هذا وهو قريب منه قياس الناس الوقائع بالفتاوى السابقة فإذا حدث طلاق مثلاً وذكر ذلك زميل لزميله في العمل أو لجاره في المنزل قال هذه حكمها كذا نظراً لواقعة مشابهة حدثت له أو لقريب منه أو لمعرفة وإذا أقررنا هذا (وهو ما تؤصل له الفتاوى على الهواء) فإن كل الناس سيصبحون مفتين وعلماء وفقهاء

لا تلازم بين برامج الفتوى المباشرة، وبين النتيجة التي توصل إليها الكاتب، فإن تجرؤ الناس على الفتوى حاصلٌ بغيرها، كنشر دواوين الفتوى، ومجاميعها بين الناس.

ـ مع إيراد أنني أفهم أن الفتوى من الشيخ أو العالم تكون ملزمة للمستفتي فحسب وليست فقهاً يُعمم على العموم نظراً لأنها حكم خاص بقضية وواقعة خاصة لها ظروفها وملابساتها الخاصة وليست من أصول الشريعة وعمومياتها بل هي مرتكزة عليها

هذا ما أعتقده، وقد ذاكرتُ به أحد الإخوة منذ مدة طويلة، على أن هذا أيضاً لا يمنع أن تبث الفتاوي على الكافة، وتخصص لها البرامج الإعلامية، وتطبع كتبها، بشرط أن يكون المتصدر للفتيا واعياً بوظيفته، حاذقاً في ألفاظه، حكيماً في مخاطبة العموم والخصوص على حدٍّ سواء، وهذا ما لا يوجد اليوم إلا نادراً، والله تعالى المستعان.

كما أن من العلم المفقود اليوم: تعليم العوام أدب الاستفتاء وأصوله.

وعلى العموم ـ مرة أخرى ـ فلا تلازم بين صحة المقدمة، أو جزئها، وبين صحة النتيجة، وما لم يكونا متلازمين تلازم الدليل بالمدلول، والعلة بالمعلول؛ وإلا فلا.

ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[29 - 11 - 04, 12:48 ص]ـ

أخي الفاضل: المقرئ، حياكم الله، ومنكم نفيد ...

""""""""""""""""""""

وقد عرف المتقدمون الاستفتاء في المحافل، وهي مجامع الناس العامة، وتشبه برامج الفتيا المعاصرة من وجه.

قال الشاطبي في الموافقات ج1/ص54

(ولما كان السؤال فى محافل الناس عن معنى (والمرسلات عرفا) (والسابحات سبحا)، مما يشوش على العامة من غير بناء عمل عليه أدب عمر صبيغاً بما هو مشهور) اهـ

وقال ابن عبد البر في التمهيد ج6/ص190

(وفيه أن السؤال عما يلزم علمه من أمر الدين واجب في المحافل وغير المحافل وأنه لا حياء يلزم فيه ألا ترى إلى قوله فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل) اهـ

ويشبه ذلك أيضاً: قصة الإمام أحمد حين نصحه الرجل فقال: انظر، فإذا أصحاب المحابر معهم الأقلام .... الخ

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير