تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثالثاً: ثمرته. ومما يجعل للخلاف قيمة ومنزلة أن تكون له ثمرة، فالثمرة هي الميزان للخلاف، يقوى ويستمر بحسبها، فإبراز ثمرة الخلاف، وقيمة هذه الثمرة، وأثرها في التطبيق، مما يعطي أهمية لهذا الخلاف، وعلم أصول الفقه غني بهذا النوع من الخلاف. وتعيين الثمرة للخلاف الأصولي كثيرا ما تتجاذبها الأقوال، لهذا يحسن التريث في الحكم على خلافٍ ما بأنه عديم الثمرة، إلا ما كان ظاهراً. فقد يكون للخلاف ثمرة لم تتبين لك إلا مع طول التأمل والبحث، والخلاف الأصولي محفوف بجملة من المخاطر، كأن يكون مبنياً على أصل كلامي، أو أصل منطقي، فالحكم له بعدم الثمرة حينها، قد يختلف بحسب أصل الخلاف.

(نوع الخلاف الذي يختص بالأصولي) والخلاف الذي يعني الأصولي هو الذي يدور حول أصلٍ ما، هل يعد من الأصول أم لا؟ وهل ينتج فرعا صحيحا أو لا؟

ومما يعين في تحديد ثمرة الخلاف تحرير محل النزاع في الخلاف.

رابعاً: تحرير محل النزاع.

وهو مهم في أمور:

الأول: معرفة قدر الخلاف كما سبق.

الثاني: السلامة من الاستدلال بمحل النزاع.

فموطن النزاع في كثير من الدراسات الأصولية غائب وغير محدد، فقد تحتدم الأقوال، وتصطك الفهوم، ومحل النزاع غير محدد وغير واضح، وفي ظل هذه الخلافات وتصعيدها يزداد غيابا، فعلى الدارسين للأصول أن يعتنوا بهذا الباب، لأنه يُقلِّص من جذوة الخلاف وحدته، ويساعد في إخماد ناره، التي طالما أوقدت واشتد سعارها في كتب الأصول. فقد يتوهم متوهم بوجود خلاف ما بين عالم وآخر، أو يتوهم عالم بوجود خلاف بينه وبين آخر، بناء على أصوله ومنطلقاته، وهو في حقيقته ليس كذلك. كما وقع للجصاص وردوده على الشافعي. ومثل هذا الخلاف كثير في كتب الأصول، خاصة بين أئمة المذاهب وأتباعهم. وهذا يؤيد ما ذكرناه في الفقرة الأولى من الخلاف.

الرابعة: عدم التحرر من قفص التقليد.

مما يُنقم على كثير من الدراسات الأصولية المعاصرة إغراقها في وحل التقليد بلا تبصر. والتقليد ضارب بأطنابه، ومتعمق بجذوره في كافة العلوم، وفي علم الأصول على وجه الخصوص، فمثلاً: جملة من كتب الأصول من لدن الرازي والآمدي إلى المعاصرين تكاد تكون متطابقة، فالأمثلة هي الأمثلة، والتقرير هو التقرير، والأسلوب ذات الأسلوب. (أصل الظاهرة) وهذا ناتج من الاستنساخ غير المحدود، فقد استفحل فيها النقل المحض، وشاعت فيها ظاهرة المتون والمختصرات، التي نشأت وتبلورت في عصور الانحطاط والضعف العلمي، فأصبحت بسببها تدور في حلقة مفرغة، لا تجد فيها ما يغني ولا يسمن من جوع، سوى تفكيك العبارات، وكثرة الاعتراضات، حتى يخيل لك كأنك بين متعاركين، كلٌ منهما يريد الغلبة لمذهبه، والظفر لرأيه، فغارت الأصول بين تلك المنازعات والخلافات، فلم يُر إلا رسمها، لأن المنبع قد جفّ، وحار الدليل. والمعنيوّن بإصلاح ما انفتق، ورتق ما انخرم، وتجديد ما اندرس، قد تاهوا في بيداء الجدل ومناصرة المذهب، وتفرقوا شيعا وأحزابا "كل حزب بما لديهم فرحون". وهنا أنبه إلى أن فكرة النقد والاعتراض في حد ذاتها غير مذمومة على الإطلاق، وإنما المذموم أن تكون على حساب أصول المسائل، كأن تكون حول التعريفات فقط، أو في حل رموز المتون، وتوجيه الأقوال، أو مناصرة منهج على حساب منهج، أو مذهب على مذهب، وأحيانا مناصرة مؤلِّف، أو مؤلَّف على آخر كما يفعل المطيعي في حاشيته على الإسنوي، وحتى لا أطيل عليك انظر كلاً من مقدمة الإيجي (ت756هـ) في "شرح العضد" والرهوني (ت773هـ) في "تحفة المسؤول" والعبادي (ت994هـ) في "الآيات البينات" فالإيغال في هذه المنازعات هو ما أوجِّه له النقد، وشدّته على قدر كثرتها وتكررها. والنقد أيضا يختلف باختلاف الناقد ومحل النقد، فالفرق كبيرٌ بين أن يكون النقد موجّها إلى أصل القاعدة وتطبيقها، وبين أن يكون موجّها إلى الصنعة، أو المبالغة في فهم نصوص العلماء، والتعامل معها كأنها نصوص محكمة ربانية، وغالب نقد المتأخرين من هذا النوع. وإن أردت معرفة الفرق انظر إلى نقد السمعاني للدبوسي، وقارن بينه وبين نقد المتأخرين أصحاب الشروح والحواشي والتقريرات، كالتي على "جمع الجوامع" أو "المنهاج" أو "المختصر" أو المنار". وهي في غاية الكثرة. وزيادة في البيان على ما سبق، دونك كتب الأصول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير