23 - ما كان ألزم للشيء كان اقرب إلى خطوره بالبال فيحمل اللفظ عليه.
قال الأمام ابن دقيق:
(قوله صلى الله عليه وسلم (الأعمال بالنيات) لا بد فيه من حذف مضاف. فاختلف الفقهاء في تقديره. فالذين اشترطوا النية، قدروا: " صحة الأعمال بالنيات " أو ما يقاربه. والذين لم يشترطوها: قدروه " كمال الأعمال بالنيات " أو ما يقاربه. وقد رجح الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال، فالحمل عليها أولى؛ لأن ما كان ألزم للشيء: كان أقرب إلى خطوره بالبال عند إطلاق اللفظ. فكان الحمل عليه أولى.) (51)
24 - الأشياء تختلف أحكامها باختلاف أحوالها:
قال الأمام ابن دقيق:
(وبهذا التحقيق يقوى قول من يرى أن التيمم يرفع الحدث؛ لأنا لما بينا أن المرتفع: هو المنع من الأمور المخصوصة، وذلك المنع مرتفع بالتيمم. فالتيمم يرفع الحدث. غاية ما في الباب: أن رفعه للحدث مخصوص بوقت ما، أو بحالة ما، وهي عدم الماء. وليس ذلك ببدع، فإن الأحكام قد تختلف باختلاف محالها.) (52)
وقال الأمام ابن دقيق:
(وفي الحديث دليل على فضيلة تقديم حضور القلب في الصلاة على فضيلة أول الوقت. فإنهما لما تزاحما قدم صاحب الشرع الوسيلة إلى حضور القلب على أداء الصلاة في أول الوقت. والمتشوقون إلى المعنى أيضا قد لا يقصرون الحكم على حضور الطعام، بل يقولون به عند وجود المعنى، وهو التشوف إلى الطعام. والتحقيق في هذا: أن الطعام إذا لم يحضر، فإما أن يكون متيسر الحضور عن قريب، حتى يكون كالحاضر أو لا؟ فإن كان الأول فلا يبعد أن يكون حكمه حكم الحاضر. وإن كان الثاني، وهو ما يتراخى حضوره فلا ينبغي أن يلحق بالحاضر. فإن حضور الطعام يوجب زيادة تشوف وتطلع إليه.) (53)
25 - القرائن توضح المعاني.
- قرينة تصرف العام عن ظاهره:
قال الأمام ابن دقيق:
(الحديث عام في جميع الكلاب. وفي مذهب مالك قول بتخصيصه بالمنهي عن اتخاذه. والأقرب: العموم؛ لأن الألف واللام إذا لم يقم دليل على صرفها إلى المعهود المعين، فالظاهر كونها للعموم، ومن يرى الخصوص قد يأخذه من قرينة تصرف العموم عن ظاهره فإنهم نهوا عن اتخاذ الكلاب إلا لوجوه مخصوصة. والأمر بالغسل مع المخالطة عقوبة يناسبها الاختصاص بمن ارتكب النهي في اتخاذ ما منع من اتخاذه. وأما من اتخذ ما أبيح له اتخاذه، فإيجاب الغسل عليه مع المخالطة عسر وحرج، ولا يناسبه الإذن والإباحة في الاتخاذ. وهذا يتوقف على أن تكون هذه القرينة موجودة عند النهي.) (54)
قرينة تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب:
قال الأمام ابن دقيق:
(ظاهر الأمر الوجوب. وفي مذهب مالك قول إنه للندب، وكأنه لما اعتقد طهارة الكلب - بالدليل الذي دله على ذلك - جعل ذلك قرينة صارفة للأمر عن ظاهره من الوجوب إلى الندب. والأمر قد يصرف عن ظاهره بالدليل.) (55)
وقال الأمام ابن دقيق:
(وضوء الجنب قبل النوم: مأمور به، والشافعي حمله على الاستحباب، وفي مذهب مالك قولان: أحدهما: الوجوب، وقد ورد بصيغة الأمر في بعض الأحاديث الصحيحة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم (توضأ واغسل ذكرك، ثم نم) لما سأله عمر إنه تصيبه الجنابة من الليل " وليس في هذا الحديث - الذي ذكره الأمام ابن دقيق - متمسك للوجوب، فإنه وقف إباحة الرقاد على الوضوء، فإن هذا الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام " فليرقد " ليس للوجوب، ولا للاستحباب، فإن النوم من حيث هو نوم لا يتعلق به وجوب ولا استحباب، فإذا هو للإباحة) (56)
26 - اليقين لا يزول بالشك.
قال الأمام ابن دقيق:
(والحديث أصل في إعمال الأصل، وطرح الشك، وكأن العلماء متفقون على هذه القاعدة، لكنهم يختلفون في كيفية استعمالها. مثاله: هذه المسألة التي دل عليها الحديث وهي " من شك في الحدث بعد سبق الطهارة " فالشافعي أعمل الأصل السابق، وهو الطهارة، وطرح الشك الطارئ، وأجاز الصلاة في هذه الحالة، ومالك منع من الصلاة مع الشك في بقاء الطهارة، وكأنه أعمل الأصل الأول، وهو ترتب الصلاة في الذمة، ورأى أن لا يزال إلا بطهارة متيقنة. وهذا الحديث ظاهر في إعمال الطهارة الأولى، وإطراح الشك، والقائلون بهذا اختلفوا، فالشافعي اطرح الشك مطلقا، وبعض المالكية اطرحه بشرط أن يكون في الصلاة، وهذا له وجه حسن
¥