3 / استدلوا بكل نص ورد فيه النهي بصيغة الجمع كقوله تعالى: {ولا تقربوا الزنا}، وقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}، وقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} وقوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} وقوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً} ونحوها من الآيات.
ووجه الاستدلال بها: أن الله نهى كل الأمة بصيغة الجمع عن هذه الأفعال وذلك يدل على تصور وقوعها منهم ومن تتصور منه المعصية لا يكون قوله ولا فعله موجباً للقطع؛ إذ يجوز أن يجمعوا على معصية.
وأجيب عنه بجوابين:
1 - أن النهي في هذه النصوص ليس نهياً لهم عن الاجتماع بل نهيٌ للآحاد، وإن كان كل واحد على حياله داخلاً في النهي فالنهي بصيغة الجمع، والمراد كلُّ فردٍ على حدة وليس المراد أن يفعل ذلك الجميع دفعةً واحدة.
2 - لو سُلِّم ما ذكرتموه فليس من شرط النهي وقوع المنهي عنه ولا جواز وقوعه فإن الله تعالى قال لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {لئن أشركت ليحبطن عملك} وقال: {فلا تكونن من الجاهلين} وقال عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}.
4 / استدلوا بحديث معاذ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله عز وجل، قال: فإن لم تجد في كتاب الله عز وجل؟ قال فبسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟، قال: اجتهد رأيي ولا آلو، قال: فضرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم.
وجه الاستدلال: أن معاذاً 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ذكر الاحتجاج بالكتاب والسنة والاجتهاد، ولم يذكر الإجماع، وأقره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على ذلك، ولو كان الإجماع حجة لذكره معاذ أو تعقبه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وأجيب عن هذا بأجوبة:
1 – ان الحديث إسناده ضعيف فقد رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارمي والطبراني والعقيلي في الضعفاء والبيهقي في السنن الكبرى وابن أبي شيبة في المصنف والطيالسي في مسنده وابن سعد في الطبقات وابن عساكر في تاريخ دمشق والخطيب في الفقيه والمتفقه وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وابن حزم في الإحكام من طريق شعبة عن أبي العون عن الحارث بن عمرو عن أناس من حمص من أصحاب معاذ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أراد أن يبعث معاذاً .. الحديث وهذا إسناد ضعيف فيه ثلاث علل:
الأولى: أن الصواب فيه أنه مرسل كما قال البخاري والترمذي والدارقطني.
الثانية: الحارث بن عمرو مجهول كما قال البخاري في التاريخ وابن حزم وابن الجوزي والذهبي والعراقي وابن حجر.
الثالثة: جهالة أصحاب معاذ كما قال ابن حزم وابن الجوزي.
وعليه فالحديث لا يثبت وقد ضعفه البخاري والترمذي والدارقطني والعقيلي وابن حزم وعبد الحق الأشبيلي وابن الجوزي في العلل وابن طاهر والعراقي والسبكي والألباني.
وإن كان بعض أهل العلم كالخطيب البغدادي وابن تيمية وابن القيم مالوا إلى تقوية الحديث ورأوا ان الأمة تلقته بالقبول لكن الأكثر على تضعيفه كما سبق.
2 – لو صح الحديث فهو في حياة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا إجماع في حياته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
3 – أنه ذكر الكتاب والسنة وقد دلا على حجية الإجماع كما سبق.
4 – أنه ذكر الكتاب والسنة وكل مسألة مجمع عليها فهي تستند إلى دليل من الكتاب أو السنة أو قياس يرجع إليهما.
5 - أن غاية ما في الحديث السكوت عن حجية الإجماع ولم ينف حجيته ويمكن اعتماد حجيته من أدلة أخرى.
تنبيهان:
1 - قد صرح غير واحد من الأصوليين بأن هذا القول شاذ لا يعتد به كابن الحاجب وشارحه العضد وابن عبد الشكور وصديق حسن خان.
¥