تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الترجيح: قول الجمهور في هذه المسألة هو الراجح لما ذكروه من أدلة ولأن ما استدل به الظاهرية قد أجيب عنه لكن ليعلم أنه وإن قيل بحجية الإجماع في كل عصر إلا أنه يتعذر حصوله بعد عصر الصحابة _ رضي الله عنهم _ وهذا هو مراد الشافعي وأحمد _ فيما يظهر _ فيما روي عنهما من الإنكار على من ادعى الإجماع وهو اختيار ابن تيمية وقد سبق بيان ذلك.

المسألة الثالثة: هل يشترط في المجمعين أن يبلغوا عدد التواتر أو لا؟

بمعنى هل يشترط حدّ أدنى لعدد المجمعين؟ فلو لم يوجد في الأمة في عصر من العصور إلا عدد لا يبلغون عدد التواتر فهل يكفي هذا العدد لانعقاد الإجماع أم لابد أن يصل المجمعون عدد التواتر ليصح إجماعهم؟

وقبل ذكر هذه المسألة ينبغي أن يعلم أنه إذا لم يوجد في عصر من العصور إلا مجتهد واحد فإنه لا ينعقد الإجماع به؛ لأن الإجماع المعصوم هو قول المجموع وقول الواحد لا يحصل فيه اتفاق فالاتفاق لا يكون إلا من اثنين فصاعداً واختار بعض الأصوليين كصاحب فواتح الرحموت أن قوله يكون حجة لكن ولا يكون إجماعاً وعزاه الصفي الهندي للأكثرين.

وأما إذا وجد مجتهدان فقط فالجمهور على أنه ينعقد بهم الإجماع؛ لأنه يحصل بهم الاتفاق، ولأنهم جماعة.

وأما إذا كانوا أكثر من اثنين لكنهم لم يبلغوا عدد التواتر فهنا اختلف على قولين:

القول الأول: أنه يشترط بلوغ المجمعين عدد التواتر وإلا فلا إجماع وهو قول من استدل لحجية الإجماع بالعقل كإمام الحرمين الجويني وحكاه القاضي عبد الوهاب عن الباقلاني.

القول الثاني: أنه لا يشترط بلوغ المجمعين عدد التواتر وهو قول الجمهور.

أدلة القولين:

أدلة القول الأول: استدل من يشترط بلوغ المجمعين عدد التواتر بأن الجمع الكثير لا يتصور تواطئهم على الخطأ بخلاف من كان دون عدد التواتر فيتصور منهم الخطأ فتنتفي العصمة عنهم.

أدلة القول الثاني: استدلَّ الجمهور لعدم اشتراط بلوغ المجمعين عدد التواتر بما يلي:

1 - عموم أدلة الإجماع حيث لم تشترط عدداً معيَّناً ينعقد به الإجماع، والمجمعون الذين لم يبلغوا عدد التواتر يصدق عليهم اسم (المؤمنين) و (الأمة).

2 – أن الإجماع ثبت بأدلة السمع لا أدلة العقل وعليه فلا مجال لربط العصمة بالعدد عقلاً.

الترجيح: الراجح هو قول الجمهور وهو عدم اشتراط بلوغ المجمعين عدد التواتر، وينبغي أن يعلم أن عدد التواتر _ عند الأكثر _ لا حدَّ له معيناً، وإنما المراد به الجمع الكثير الذين لا يتصور تواطؤهم على الخطأ والذين لو أخبروا عن محسوس وقع العلم بخبرهم، علماً أن جلَّ من نفى انعقاد الإجماع لمن لم يبلغوا عدد التواتر قالوا إن نقصان المجمعين عن عدد التواتر في عصر من العصور غير متصور والجمهور يرون جواز وقوع ذلك.

المسألة الرابعة: هل ينعقد الإجماع بقول الأكثر؟

بمعنى أنه لو خالف واحد أو اثنان أو عدد قليل من المجتهدين فهل مخالفتهم تضرّ ولا ينعقد الإجماع أو ينعقد الإجماع بقول الأكثر ولا تضرّ مخالفة هؤلاء؟ اختلف في هذه المسألة على أقوال:

القول الأول: لا ينعقد الإجماع إلا بقول الكلِّ فلو خالف مجتهدٌ واحدٌ لم ينعقد، ولا يكون قولهم إجماعاً ولا حجةً وهذا هو قول الجمهور.

القول الثاني: ينعقد الإجماع بمخالفة الواحد والاثنين فقط دون ما زاد على ذلك ويكون قول الأكثر إجماعاً وحجةً وهو قول أبي بكر الرازي الحنفي المعروف بالجصاص وأبي الحسين الخياط من المعتزلة وابن حمدان من الحنابلة، ومال إليه أبو محمد الجويني وحكاه الباجي عن ابن خويز منداد من المالكية، وحكاه الفخر الرازي عن ابن جرير الطبري، وذكر ابن قدامة والطوفي وغيرهما أن الإمام أحمد أومأ إليه في رواية، وهو ظاهر صنيع ابن المنذر في كتابه الإجماع.

القول الثالث: إذا بلغ المخالفون عدد التواتر لم ينعقد الإجماع وإن كانوا دون ذلك لم تضرّ مخالفتهم وينعقد الإجماع عندئذٍ وذكر الباقلاني أن هذا هو قول ابن جرير وحكاه القاضي عبد الوهاب عن أبي الحسين الخياط. (وذلك لأن ما دون عدد التواتر يعتبر شاذاً لا حكم له وهذا مبني على قول من أثبت الإجماع بالعقل وأنه يشترط في المجمعين بلوغ عدد التواتر كذا خرَّجه الطوفي)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير