القول الرابع: أن المخالفة تضرَّ إن كان المخالف قد خالف فيما يسوغ فيه الاجتهاد كمخالفة ابن عباس _ رضي الله عنهما _ في العول، أما إذا كانت مخالفته لا يسوغ فيها الاجتهاد كأن يخالف نصاً فهنا لا عبرة بقوله وينعقد الإجماع وذلك كمخالفة ابن عباس _ رضي الله عنهما _ في ربا الفضل، وبهذا قال أبو عبد الله الجرجاني والسرخسي وحكي عن الجصاص (والحجة في ذلك أنه يعتبر شاذاً لا يلتفت لقوله إن كان خلافه لا يسوغ)
القول الخامس: أنه إذا خالف البعض فإن قول الأكثر لا يكون إجماعاً لكنه يكون حجةً وبهذا قال ابن الحاجب المالكي وابن بدران من الحنابلة. (وذلك لأن إصابة الأكثر أكثر من خطئهم فيكون ظنياً كخبر الواحد والقياس)
القول السادس: أن قول الأكثر إجماع في غير أصول الدين أما في أصول الدين فلا بد من اتفاق الكل نقله القرافي عن ابن الأخشاد من المعتزلة. (وذلك لأن الخلاف في أصول الدين مؤثر بخلاف الفروع)
أدلة الأقوال: (الذي يهمنا من الأقوال السابقة القول الأول والثاني ولذا سنكتفي بذكر أدلتهما فقط وأما بقية الأقوال فقد سبق ذكر وجه الاحتجاج عندهم):
أدلة القول الأول: استدل الجمهور لاشتراط اتفاق الكل في الإجماع بأدلة منها:
1 – عموم أدلة حجيَّة الإجماع كقوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين} وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا تجتمع أمتي على ضلالة "، و الأكثر ليسوا كل المؤمنين، وليسوا كل الأمة.
2 – أنه قد حصل مثل ذلك في زمن الصحابة وانفرد بعض الصحابة بأقوال خالفوا فيها الأكثر ولم ينكر أحدٌ ذلك عليهم بل سوَّغوا لهم الاجتهاد، ولو كان قول الأكثر إجماعاً لأنكروا عليهم المخالفة ومن ذلك:
أ – انفرد ابن عباس _ رضي الله عنهما _ عن أكثر الصحابة في بعض المسائل كالقول بجواز المتعة وجواز ربا الفضل وبعض مسائل الفرائض كقوله بعدم العول، وفي العمريتين، وعدم حجب الأم بأقل من ثلاثة إخوة وغيرها.
ب – انفرد أبو موسى الأشعري 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بقوله بعدم نقض الوضوء بالنوم ذكره ابن عبد البر وغيره.
ج – انفرد ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ببعض المسائل في الفرائض مثل: حجب الزوجين والأم بالولد والإخوة وإن كانوا عبيداً أو كفاراً أو قاتلين، وجعل الباقي بعد فرض البنات لبني الابن دون بنات الابن وغيرها.
3 – أن الحق ربما يكون مع الواحد بخلاف قول الأكثر وقد خالف أبو بكر رضي الله عنه الصحابة في قتال مانعي الزكاة وكان قوله هو الحق وقد رجعوا إلى قوله، وكذا خالف عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في أسرى بدر وكان الحق معه.
4 – أن يقال إنه قد اعتد بخلاف الثلاثة عندكم فما الفارق بين الاثنين والثلاثة وعدد المجتهدين قد يقل وقد يكثر فربما تكون نسبة الاثنين في بعض العصور للمجتهدين أكثر من نسبة الثلاثة والأربعة إليهم في عصر آخر.
أدلة القول الثاني: استدلوا بأدلة منها:
1 – أن الكل يطلق في اللغة ويراد به الأكثر فـ (المؤمنون) و (الأمة) يصحُّ اطلاقهما على الأكثر كما يقال: بنو تميم يحمون الجار ويكرمون الضيف والمراد الأكثر ويقال: هذا ثور أسود وإن كان فيه شعرات بيض.
ويجاب عنه: بأن هذا الاطلاق هو من باب المجاز، والأصل في الاطلاق الحقيقة فيجب حمل لفظ (المؤمنين) و (الأمة) عليها، ولذلك لو شذ واحد عن الجماعة صح أن يقال عن البقية: ليس هم كل الأمة ولا كل المؤمنين.
2 – استدلوا بالنصوص التي تذم الشذوذ وتثني على الكثرة والجماعة نحو:
- قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إن يد الله مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإن من شذَّ شذَّ في النار " أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عمر رضي الله عنهما.
- وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الشيطان مع الواحد و هو عن الاثنين أبعد " أخرجه الترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما وأخرجه عبد الرزاق والبغوي في تفسيره عن عمر رضي الله عنه.
وأجيب عنه بجوابين:
¥