1 – أنه لا يخلو عصر من أن يكون فيه جماعة من أهل العلم ينفون حجية القياس وهذا يمنع من انعقاد الإجماع مستنداً إلى القياس.
وأجيب عنه بأن المنع من حجية القياس لم يقل به أحد في العصر الأول وإنما ظهر الخلاف فيه بعد ذلك عند الظاهرية ومن وافقهم.
وأجاب بعضهم بأن من ينكر حجية القياس لا عبرة بخلافه.
2 - أن القياس أمر ظني والناس يختلفون في أفهامهم وإدراكهم فيستحيل اتفاقهم على إثبات الحكم بالقياس كما يستحيل اتفاقهم على أكل طعام واحد في وقت واحد لاختلاف أمزجتهم.
وأجيب عنه بجوابين:
الأول: أن القياس إذا ظهر وعُدِم التشهي والهوى فلا يبعد اتفاق العقلاء عليه لاسيما عند المجتهدين العالمين بأسرار الشرع وحِكَمِه وعلله وقواعده.
الثاني: أن قياسه على اتفاقهم على طعام واحد قياس مع الفارق؛ لأن اختلاف أمزجتهم موجب لاختلاف أغراضهم وشهواتهم ولا داعي لهم إلى الاجتماع عليه بخلاف الحكم الشرعي وجد الداعي لهم عند ظهور القياس إلى الحكم بمقتضاه.
3 - أن الإجماع دليل مقطوع به حتى إن مخالفه يبدع ويفسق، والقياس ظني ولا يبدع مخالفه ولا يفسق وذلك مما يمنع إسناد الإجماع إليه.
وأجيب عنه بجوابين:
الأول: أن القياس بعد الاتفاق على ثبوت حكمه يصبح قطعياً لا ظنياً.
الثاني: أن قولهم هذا منقوضٌ بقولهم بجواز استناد الإجماع إلى خبر الآحاد (وهذا الجواب موجهٌ لجمهور الظاهرية فقط الذين يجيزون انعقاد الإجماع مستنداً إلى خبر الآحاد)
4 - أن الإجماع أصلٌ من أصول الأدلة، وهو معصوم عن الخطأ، والقياس فرعٌ وعرضةٌ للخطأ واستناد الأصل المعصوم للفرع المعرض للخطأ ممتنع.
وأجيب عنه بجوابين:
الأول: أن القياس فرع للكتاب والسنة وليس فرعاً للإجماع.
الثاني: أن القياس الذي أجمع عليه يكون قطعياً وعندها لا يكون عرضةً للخطأ.
5 - أن الإجماع منعقد على جواز مخالفة المجتهد فلو انعقد الإجماع عن اجتهاد أو قياس لحرمت المخالفة الجائزة بالإجماع وذلك تناقض.
وأجيب عنه بأن الإجماع على جواز مخالفة المجتهد المنفرد باجتهاده كالواحد والاثنين لا مخالفة اجتهاد الكل.
أدلة القول الثاني: استدل الجمهور لجواز استناد الإجماع إلى القياس بأدلة منها:
1 – أقوى الأدلة على جوازه هو وقوعه فقد حصل الإجماع مستنداً إلى القياس والاجتهاد في مسائل منها:
أ - أن الصحابة أجمعوا على إمامة أبي بكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - من طريق الاجتهاد والرأي وقاسوا إمامته على تقديم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - له في الصلاة حال مرضه.
ب – وأجمع الصحابة أيضاً على قتال مانعي الزكاة بطريق الاجتهاد حتى قال أبو بكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: " والله لا فرقت بين ما جمع الله قال الله: {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} "
ج - وأجمعوا على تحريم شحم الخنزير قياساً على تحريم لحمه.
د - وأجمعوا على إراقة الشيرج والدبس السيال إذا وقعت فيه فأرة وماتت قياساً على فأرة السمن.
هـ - وأجمعوا في زمن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - على حدِّ شارب الخمر ثمانين بالاجتهاد حتى قال علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: " إنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى فأرى أن يقام عليه حد المفترين " أخرجه مالك والشافعي وعبد الرزاق في المصنف والحاكم في المستدرك والبيهقي والدارقطني.
وقال عبد الرحمن بن عوف 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: " هذا حد وأقل الحدود ثمانون " رواه مسلم من حديث أنس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.
و - وأجمعوا أيضاً بطريق الاجتهاد على جزاء الصيد ومقدار أرش الجناية ومقدار نفقة القريب وعدالة الأئمة والقضاة ونحو ذلك.
ز – وأجمعوا على توريث البنتين الثلثين قياساً على الأختين.
ح – وأجمعوا على جواز صيد ما عدا الكلب من الجوارح قياساً على الكلب .. وغير ذلك من المسائل.
2 – أنه لا يوجد ما يمنعه أو يحيله وقد وجد إجماع العدد الكثير من الخلق الذي يزيد على عدد التواتر على أحكامٍ باطلة لا تستند إلى دليلٍ قطعي ولا ظني فانعقاده عن طريق دليل ظني ظاهر من باب أولى.
3 – عموم الأدلة التي تثبت حجية الإجماع حيث لم تفرق بين كون مستند الإجماع قطعياً أو ظنياً فاشتراط كون المستند قطعياً تقييد لهذه النصوص من غير دليل.
¥