بيان ذلك أنك لا تستطيع أن تدعي أن خبر الثقة هذا أو ذاك يخلو من الشذوذ أو العلة إلا بغلبة الظن، وبقولك: بحثت في الطرق والروايات ولم أجد له شذوذا ولا علة، وبحثت في كلام الأئمة النقاد، فلم أجد أحدا منهم حكم على الرواية بالشذوذ ولا بالعلة، وبحثت في كتب التخريج فوجدتها كلها متفقة على أن الرواية ليس فيها شذوذ ولا علة.
وكل ذلك هو احتجاج ضمني بالإجماع، فتأمل!
وسواء سميته إجماعا أو لم تسمه إجماعا، فهذا هو الذي نريد الاحتجاج به، فكما تقول: (بحثت ولم أجد أحدا من العلماء أعل هذا الحديث)، فنحن أيضا نقول: (بحثنا ولم نجد أحدا من العلماء خالف هذا الحكم).
فإن ألزمتنا قبول الأولى ألزمناك قبول الأخرى، وإلا كان كلامك متناقضا.
وغاية الأمر في ذلك أن تلجأ إلى محاولة التفريق بين الأمرين، بأن تقول: الأول من باب الإخبار والثاني من باب الاجتهاد، وهذا التفريق غير صحيح؛ لأن إعلال الحديث، والحكم بالصحة والضعف، أو الشذوذ وعدمه، أو ثقة الرواة وضعفهم كل ذلك اجتهاد بلا جدال، ولذلك يختلف فيه العلماء كثيرا.
لا يُشترط أخي لإثبات خبر ما و تصديق ناقله الوقوف على جميع مذاهب مجتهدي الأمّة في عصر من العصر و قد سبق بيان ذلك في حديث معاذ رضيّ الله عنه.
ثم يا أخي مقولة: (بحثت ولم أجد أحدا من العلماء أعل هذا الحديث) لا تعني بأنّ جميع علماء الحديث وقف على سند هذا الحديث ثم أقرّ بصحّته حتى تدّعي بأنّ: "الاحتجاج بخبر الثقة لا يمكن أن يتم إلا بالاحتجاج بالإجماع"
فالعلماء قرّروا بأنّه حتى و إن لم يطّلع جميع الأمّة في عصر من العصور على خبر ما خال سنده من الشذوذ و العلّة فهو مقبول و يجب تصديق ناقله
ثم تقول لي: "وسواء سميته إجماعا أو لم تسمه إجماعا، فهذا هو الذي نريد الاحتجاج به"
يا أخي ما تعريف الإجماع عندك؟
ولكي أزيد الأمر إيضاحا أرجو أن تعيد النظر فيما ذكرته سابقا في المشاركة الثانية:
فإنك إذا احتججت على مخالفك بخبر الثقة فأسهل ما يمكنه أن يقول لك: هذا الراوي ليس بثقة؛ لأنه مثلا أخطأ في حديث كذا وكذا.
فإن قلت له: أجمع النقاد على أنه ثقة، سيقول لك: الإجماع ليس بحجة!
ليس من شرط كون شخص ما ثقة أن يجمع النقاد على ذلك حتى أضطر لأن أقول له أجمع النقاد
و شروط توثيق شخص ما معروفة في كتب أهل الحديث مع أدلتها و ليس من شرطها عصمة الشخص عن الخطأ
ثانيا: كيف ستفرق بين باب الإخبار وغيره؟ إن قلت بالخبر نفسه فهذا لا يصح؛ لأنه استدلال بالشيء على نفسه، وهو لا يصح باتفاق العقلاء، وإن قلت: بالإجماع، فأنت لا تقول به.
وكذلك يمكن مخالفَك أن يقول: لا أسلم أنه من باب الإخبار، بل هو اجتهاد من هذا اللغوي أو ذاك.
أصل الإشكال عندك أنّه عندك خلل في التفريق بين نقل الخبر و بين الإجتهاد
فالإجتهاد من شرطه وجود الفهم
و أما نقل الخبر فلا يُشترط فيه الفهم و إنّما يُشترط فيه الحفظ
و لذلك لم يشترط علماء الحديث في رواة الأحاديث شرط الإجتهاد
بينما اشترط العلماء في المفتى شرط الإجتهاد
و جواب سؤالك: كيف ستفرق بين باب الإخبار وغيره؟
على حسب القرائن؛ فإن دلّت القرائن على أنّه يحدّث عن حفظ فهو نقل لخبر و أما إن دلّت القرائن على أنّه يستنتج بعقله فهو اجتهاد.
كرهت لك يا أخي أن تحتج بهذه الحجة المتهافتة!!
لو جاءنا من يدعي أنه نبي فهل نصدقه هكذا بغير معجزة فضلا عن دليل ظني؟!
وهل تستطيع أنت أن تلزم مخالفيك وتقيم عليهم الحجة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
سبحان الله!
الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم هي المعجزات التي أيده الله بها، وهذا واضح لا أظن أحدا ينازع فيه.
هل كلّ من أقام عليهم الحجّة النّبي محمّد صلى الله عليه و سلّم استخدم معهم المعجزات
لما آمن أبو بكر الصديق بمحمّد صلى الله عليه و سلّم هل كان قد رأى معجزة أم اكتفى بتصديقه لخبره فحسب؟
أنا لا أقول: إن جميع الناس سيرفضون قبول هذه الحجة، ولكن أقول: لو جاءك معاند فلن تستطيع إلزامه إلا بالإجماع.
بل انتبهت و أنت لم تكن قلت هذا من قبل فقد قلت ما يلي في مشاركتك رقم 2 في هذا الموضوع:
لأنه إن أراد أن يقيم الحجة على أي إنسان فلن يستطيع؛
القواعد المبنية على العقل المحض إما أن نختلف فيها وإما أن نتفق عليها، فإذا اختلفنا فيها فلا تستطيع أن تلزمني بعقلك إذا كان عقلي يخالفه؛ فكل طرف يدعي أن العقل معه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المسائل التي يدعي كل فريق فيها أن معه القاطع العقلي لا يفصل بينهم فيها إلا كتاب منزل.
وإذا اتفقنا على هذه الحجة العقلية فالحجة في هذا الاتفاق، وهو المطلوب.
هناك الإستدلال استنادا على البديهيات العقلية و التي لا ينازع فيها إلا من فقد عقله.
فيمكنني أن ألزم شخص ربما يكون قد ذهل ذهنه عن بديهية عقلية بتذكيره بتلك البديهية.
¥