تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنشأ العمل بما جرى به العمل يبدأ من الوقت الذي بدأ فيه العلماء يستندون لاختيارات شيوخ المذهب وترجيحهم لبعض الأقوال التي عدلوا فيها عن الراجح والمشهور، فعلموا بهذه الاختيارات جريا لمصلحة أو دفعا لمضرة، ولعلّ سندهم في ذلك هو قول عمر بن عبد العزيز ‹تحدث للنّاس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور› ([73] ( http://www.ulum.nl/c58.html#_edn73)) فيكون بهذا قد فتح للحكام والقضاة مجالا واسعا للتعامل مع المستجدات ومعالجتها وفقا لما تقتضيه مصلحة العصر وضرورة الزمان، والعمل بهذا النوع من التشريعات رغم المآخذ التي سجلت عليه والمعارضة التي لقيها الفقهاء المسترسلون فيه إلاّ أنّه دليل قوي على ما تميز به الفقهاء من قدرات في مجابهة المستجدات والمشكلات الواقعة والمتوقعة "فأعطوا بذلك الحلول للنوازل والقضايا التي لم يرد فيها نص صريح أو ضمني، وأثبتوا بذلك أنّهم قادرون على ملاحقة التطور البشري والتغير الزماني كما دلّلوا على أنّ الفقه المالكي قابل دائما للتطور لمرونته وقوة قابليته للاستمرار والبقاء" ([74] ( http://www.ulum.nl/c58.html#_edn74))، وقد امتلأت كتب هذه المدرسة بهذا النوع من التشريعات، ككتاب فصول الأحكام لأبي الوليد الباجي الذي نصّ في كل مسألة من مسائله على أنّ العمل جرى بها، وكثرت أيضا مؤلفات ابن عتاب وابن سهل وغيرها من كتب الأحكام كتحفة ابن عاصم الذي أكثر فيها من ذكر العمل ([75] ( http://www.ulum.nl/c58.html#_edn75)).

9. الجنوح إلى المختصرات:

ومن أهم ما تميزت به المدرسة المالكية بالغرب الإسلامي كثرة الجنوح إلى المختصرات حتى أنّه ما وجد كتاب من أمهات الكتب إلاّ واختصر وربما احتاج هذا الاختصار إلى اختصار.

وقد بدأت هذه الظاهرة في أوائل القرن الثالث الهجري ثم ازداد انتشارها في القرن الرابع ثم تضخم حجمها بشكل ملفت للانتباه في القرن السابع الهجري ([76] ( http://www.ulum.nl/c58.html#_edn76))، ولعلّ الأسباب من وراء ظهور هذه الظاهرة:

#أنّ المتأخرين صعب عليهم استيعاب المطولات وشقّ عليهم قراءتها لطولها وكثرة ما ورد فيها.

#ضعف الهمم وفتور العزائم فقد يقصد الإنسان إحدى هذه الأمهات لكنّه ما إن يرى حجمها حتى يتسرب إليه الملل وتركبه السآمة خصوصا في وقت أضحت فيه القراءة تعطى لها فضول الأوقات.

#قصور الفقهاء على الابتكار والإبداع فبدل أن يبدعوا كما أبدع أسلافهم ركنوا إلى مؤلفاتهم يهذبونها وينقصون منها ويزيدون.

#رغبة العلماء في عدم حرمان طلبة العلم من ثمرات الأمهات وتمكينهم من الإطلاع على أكبر قدر ممكن خصوصا وأنّها كثيرة ويعسر الإحاطة بها.

#تنقيتها من الحشو الزائد والكلام الطائل والذي لا ينفع ذكره ولا يضر تركه وإظهار الأهم فقط ممّا تتم به الفائدة ويقع به النفع.

إنّ المصنفات الأولى التي صنّفت في وقت مبكر كانت كبيرة الحجم واضحة المعاني سهلة العبارة مثل مدونة سحنون، والواضحة لعبد الملك بن حبيب والمستخرجة للعتبي والنوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني وغيرها من المصنفات التي تعتبر أمهات الفقه المالكي في الغرب الإسلامي والتي نالت أكبر قسط من الاختصار والتهذيب ولا سيما المدونة التي اختصرها زهاء مائة عالم أو يزيد، بل ما ألّف عالم من التأليف شيء إلاّ كان اختصار المدونة من جملتها، وإن جولة سريعة في كتب التراجم بعد القرن الرابع الهجري ينبئك بصدق ما أقول، فقد اختصرها فضل بن سلمة الجهني ثم اختصرها محمد بن عبد الله بن عيشون الطليطلي صاحب المختصر المشهور، ثم جاء من بعدهما محمد بن عبد الملك الخولاني البلنسي، واختصرها عبد الله محمد بن أبي زمانين واختصرها ابن أبي زيد القيرواني، وأبو القاسم اللّبيدي، والبرادعي صاحب التهذيب والذي اختص مختصر ابن أبي زيد القيرواني السابق الذكر ثم جاء بعد هؤلاء عثمان بن الحاجب الذي اختصر تهذيب البرادعي الذي سيختصره فيما بعد خليل بن إسحاق الجندي ([77] ( http://www.ulum.nl/c58.html#_edn77)).

كما اختصرت الواضحة ومن أهم من اختصرها "الفقيه خلف بن القاسم الأزدي المعروف بالبرادعي، وفضل بن سلمة الجهني وابن فرحون" ([78] ( http://www.ulum.nl/c58.html#_edn78)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير