ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[09 - 12 - 07, 06:44 م]ـ
المذهب المالكي وتطوره بسنة التجديد -2 -
د. محمد الحبيب التجكاني كلية أصول الدين –تطوان
قام مذهب الإمام مالك على كتابين:
الكتاب الأول: الموطأ وهو كتاب به من الأحاديث: 822، ومن آثار الصحابة: 613، ومن آثار التابعين: 235 (1)؛ فهو كتاب حديث وفقه، على غرار مجموع الإمام زيد الذي هو أساس مذهب الزيدية.
ألفه الإمام مالك للإجابة على تحد كان مطروحا على الساحة الإسلامية، هو اختلاف الأحكام والفتاوى بين عواصم العالم الإسلامي، وخاصة بين البصرة والكوفة، وما إليهما، نظرا لقلة المرويِّ من السنة الذي أدى إلى اختلال منهجية التشريع، ونظرا لكثرة الفرق العقدية والسياسية بالعراق، مما دعا بعض المثقفين، كعبد الله ابن المقفع، أن يرفعوا ملتمسا إلى الملك أبي جعفر المنصور العباسي، لتصحيح الخلل، وللعمل على توحيد التشريع، بجمع الآراء الفقهية مع أدلتها لدى كل فريق، ليختار من بينها الأقوى دليلا، فتتم رقابة الفقه بالشرع، ويصدر ذلك في مدونة رسمية، تلزم الجميع في القضاء والفتوى؛ لأن التأصيل في الكتاب والسنة يرفع الخلاف، أو يخفض حجمه على الأقل: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النساء: 81).
قال عبد الله بن المقفع في ملتمسه: ومما ينظر أمير المؤمنين فيه بهذه الأقضية والسير المختلفة، فترفع إليه في كتاب، ويرفع معها ما يحتج به كل قوم من سنة، أو قياس، ثم نظر في ذلك أمير المؤمنين، وأمضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه الله، ويعزم عليه عزما، وينهي عن القضاء بخلافه وكتب بذلك كتابا جامعا، لرجونا أن يجعل الله هذه الأحكام المختلطة الصواب بالخطأ، حكما واحدا صوابا.
وطلب أبو جعفر المنصور من الإمام مالك أن يؤلف كتابا جامعا يكون مدونة رسمية لعالم الإسلام، قال أبو جعفر المنصور للإمام مالك: "اجعل العلم - يا أبا عبد الله - علما واحدا" (2).
وألف الإمام مالك (الموطأ)، لكنه اعتذر أن يصبح مدونة رسمية عامة للعالم الإسلامي، بحجة أن أغلب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يجمع بعد، وهي موزعة في الأقاليم الإسلامية، حسب المناطق التي اختار عدد من الصحابة، رضي الله عنهم، الإقامة بها؛ قال الإمام مالك لأبي جعفر المنصور: "يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم (3).
ولقد اتفق الجميع أبو جعفر المنصور والإمام مالك أن يتم التمهيد لتوحيد التشريع بربط الصلات بين فقهاء الأمصار، للإطلاع على مصادر التشريع من السنة النبوية وما يتصل بها، وخاصة بين فقهاء العراق وفقهاء الحجاز؛ فاتصل محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، وروى الموطأ عن الإمام مالك، مقارنا بين فقه الأحناف وفقه مالك؛ ثم زار أبو يوسف المدينة المنورة، فأراه مالك أحباس الصحابة، رضي الله عنهم، مما لم يصل الأحناف، فأنكروا لذلك شرعية الوقف، فقال أبويوسف: "قد رجعت، يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي (4) ما رأيت لرجع كما رجعت" (5).
في نفس الوقت عمل الكل على تنشيط حركة جمع السنة النبوية في أقطار العالم الإسلامي حيث سيظهر الإمامان: البخاري ومسلم، وأصحاب السنن أبو داود، وابن ماجة، والترمذي، والنسائي، وأصحاب المسانيد وعلى رأسهم الإمام أحمد الذي سجل مسنده لوحده، 27.647 حديث؛ وذلك لتوفير وسائل رقابة الفقه بالشرع؛ حتى يتم الانسجام مع الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الكتاب الثاني: المدونة (6)، وهي مجموعة مسائل وأجوبتها، كان جمعها دون دليل من الكتب والسنة، أسد بن الفرات (7)، على مذهب الأحناف ثم تحول بها إلى المذهب المالكي، فسمع أجوبتها من جديد، من عبد الرحمن بن القاسم (8). بعد وفاة الإمام مالك؛ فجاء بها أسد إلى بلده تونس، فنسخها منه عبد السلام سحنون، وعاد هذا الأخير إلى عبد الرحمن بن القاسم، فسمع أجوبتها منه مرة ثانية، فتراجع عبد الرحمن بن القاسم عن كثير مما كان أجاب به أسد بن الفرات؛ ولما عاد سحنون بالمدونة إلى تونس، صحب معه كتابا من عبد الرحمن بن القاسم، إلى أسد يقول فيه: " أن أصلح كتبك على ما في كتب سحنون" (9).
¥